أعاد مسرح «سوق عكاظ» في الطائف بوصلة الشباب السعودي للحفلات الغنائية، بعد احتضانه لحفلة الفنان محمد عبده، منعشاً بذلك آمال السعوديين في قرب عودة النشاط الفني إلى سابق عهده، وقرب رؤيتهم لفنانيهم المفضلين وهم يغنون داخل الوطن، بدلاً من الحفلات الخارجية التي كانت تستنزف ملايين الريالات من الجمهور السعودي الشغوف بالفن. وأجمع عدد من المثقفين على أهمية عودة الحفلات إلى الفضاء الاجتماعي من جديد مؤكدين أن "هيئة الترفيه" هي الحل "حيث ان وجودها وتبنيها عدداً من الفعاليات الغنائية الترفيهية للشباب مطلب مهم للتقليل من الخسائر المادية التي يتكبدها السعوديون لحضور حفلات خارج المملكة". رحاب أبو زيد: إنها مشروع سياحي لن تكتمل بهجة السياحة بدونه تقول المثقفة رحاب أبو زيد "لن أبدأ بإيجاد مسوّغات للحفلات الغنائية وطرح إسهامات فلسفية حول أهميتها وما تحدثه في الحياة العامة من تهذيب روحي ونفسي ووجداني، بل سأبدأ من أبعد من ذلك بأننا لا يجب أن نبحث عن مبررات للحياة الطبيعية! الحياة الطبيعية تنطوي على الفن والتناغم والهارموني في البيئة وبين الناس على اختلاف طبائعهم، الحياة الطبيعية تنطوي على الفرح والحزن، والإنسان بطبعه ميال للتعبير عما يعتريه من مشاعر بشتى الصور والإمكانات الممكنة، من بينها الشعر والتمثيل والفنون التشكيلية والغناء، وما ذلك إلا انعكاساً لواقع أحياناً تخف وطأته وحرقته بمشاهدته مجسداً على المسرح، وأحياناً رديفاً لخيال إن لم ينفع لن يضر فقط سينقلنا من فكر ضيق محدود لآفاق أكثر إبداعاً وجمالية". سكينة المشيخص: الفن رسالة حضارية وإنسانية ولا يمكن إقصاؤه عن حياة الناس وأشارت إلى أن الفن يجب أن يعود، وما عودته في سوق عكاظ إلا تأكيد على تاريخية وثقافة وعمق هذا المكان في الفنون، "فللحفلات في المملكة أسبقية بديعة وتاريخ حافل منذ أكثر من 50 عاماً عندما انطلقت أولى حفلات التلفزيون عبر التلفزيون السعودي"، متسائلة: "كيف لنا أن نناقش اليوم -كنساء- جدوى الفن في حين غنت مطربة عريقة وفنانة كبيرة كابتسام لطفي من خلال الإذاعة السعودية "بموافقة رسمية آنذاك" أجمل ما أسس لتراث إنساني فني نفاخر به اليوم، ولم نحضر حفلات مسرح التلفزيون حتى اليوم؟". محمد علوان: إعادة الحفلات الغنائية تشعر الفنان بتقديره في بلده وأضافت أبو زيد: "أنا من جيل كانت الأغنيات بالنسبة له حاجة لا فراغ منها، وبالتالي انتظرنا طويلاً ليسمح للنساء بحضور مثل هذه الحفلات بدلاً من الاضطرار للسفر للدول المجاورة، واستنزاف جيوبنا لصالح وكلاء حفلات لا يشعرون بالوطنية نهائياً تجاه المملكة، ولو كان الفنان محباً حقيقياً لبلده ووجد بها ما يدعم مستقبله الفني والتسهيلات اللازمة فأنا كلي ثقة بأنهم سيقدمون حفلاتهم مجانية لعشاق الفن الأصيل المحترم، مع احتمال قوي جداً أن ذلك لن يؤثر على مردود حفلاته الغنائية خارج الوطن، إنها مشروع سياحي لن تكتمل بهجة السياحة بدونه، ومن لا يجد بنفسه رغبة في الحفلات فبكل بساطة لا يزاحم الآخرين ويقتحم عليهم ليخرب ويدمر". معبرة عن أسفها من عدم تمكنها من حضور حفلة الفنان محمد عبده في سوق عكاظ "رغم أن النساء والمثقفات حضرن حفل الافتتاح"، مطالبة بالالتزام بدخول المرأة للحفلات الغنائية وفق ضوابط تضعها الدولة أو هيئة الترفيه مستقبلاً. الخالد: للحفلات جدوى اقتصادية كبيرة للدولة والمجتمع فيما ترى الإعلامية سكينة المشيخص، أن الأهمية في إعادة الحفلات الغنائية مزدوجة، من الناحيتين الفنية والاقتصادية "فالفن رسالة حضارية وإنسانية تسهم في إطلاق الفكر ولا يمكن إقصاؤه من حياة الناس لثبوت أهميته الحيوية في تكوينهم وتطوير ذائقتهم والارتقاء بذواتهم، أياً كان ذلك الفن، مسرحياً أو غنائياً أو فلكلورياً يعنى بإبراز التراث وجمال الإنسان والبيئة الاجتماعية وارتباطها العميق بالمكان والزمان، ومن الناحية الاقتصادية، فإن تنظيم الحفلات عملية اجتماعية في كل شعوب العالم، وهي تأتي في إطار البعد الفني الى جانب الاقتصادي الذي يتوافق مع تطوير الأداء الاقتصادي، إذ إن كثيراً من الشباب يذهب الى دول الجوار لحضور مثل هذه الحفلات وأولى أن يتم تنظيمها في مسارح بلاده بما يعود بالإنفاق إلى الداخل ويرفد النشاط السياحي والاقتصادي بمورد مهم يذهب خارجاً ونستعيده من خلال هذه الحفلات ونثري الخزينة العامة والذات بقيم فنية ومادية". وأكدت المشيخص أن مكسب الفنان السعودي "هو أن يبقى بجوار جمهوره الذي يدعمه ويعزز حضوره الفني داخلياً بما يجعله يتمدد في مساحة خارجية واسعة من القبول والانتشار، فكل ما هو ذو سمة خارجية إنما يبدأ من منطلقات داخلية ومحلية تمنحه الدوافع والطاقة والقدرة على التحليق الخارجي، وذلك المكسب الأبرز للفنان الوطني، ولا يمكنه أن يكون فناناً لكل صاحب حس فني وموسيقي دون قاعدة وأرضية محلية، لذلك فإن هذه الحفلات تقدمه للمجتمعات الخارجية بما يجده من قبول وحضور في مجتمعه". ويرى الشاب حسن آل قدرة أن إعادة إحياء الحفلات في مناطق المملكة تحت مظلة "هيئة الترفيه" سيساعدهم في التقليل من الخسائر المادية التي يتكبدونها لحضور حفل غنائي خارج حدود المملكة "والحد من لعبة السماسرة والمتعهدين الذي ينوون سرقة أموالنا في تذاكر تتجاوز أحياناً خمسة آلاف ريال للشخص الواحد". وأكد آل قدرة أن إشاعة الفرحة والبهجة هو المطلب للشعب السعودي وإعادة الحياة للمسارح وإعادة اكتشاف مواهب فنية جديدة إلى جانب اكتشاف شعراء شباب تتاح لهم الفرصة بإظهار كلماتهم من حناجر فنانين سعوديين على خشبة مسارح المملكة "وكذلك إعادة وهج الفرق الموسيقية التي لا نتذكرها الآن والتي بدأ بعضها يندثر". فيما أشار المثقف محمد عبدالله علوان أنه من المهم أن تقام مثل هذه الفعاليات وأن تكثف وأن يتم تعزيزها "ليس لكون الغناء وسيلة لمحاربة التطرف والعنف أو لكونه يمثل مردوداً سياحياً جيداً، بل لكونه يحمل ثقلاً هاماً في وجدان الناس يستطيع من خلاله زحزحة نظرتهم تجاه الفنون وكل نمط مختلف من الحياة وهذا مما سيساعد على تغير النظرة التقليدية التي تم تكريسها"، مضيفاً بأنه "لن يكون بإمكان البشر أن يعيشوا أسوياء دون فن، فحاجتهم إليه ستنتج أنماطاً مموهة ومشوهة منه لتلتف على الممنوع". وأكد أن هناك فائدة للفنان يجنيها معنوياً من عودة الحفلات الغنائية "فمن الجيد أن يشعر بأنه يتم تقديره في بلده وأن يستشعر تقبل الجمهور وتفاعلهم مع ما يفعله، لأن كل ما يقوم به الفنان إذا استثنينا "جانب المال" يقبع في هذه النقطة.. نقطة الإحساس بكونه مقدرا ويحترم في محيطه ومجتمعه". أما هيام أبو الريش فترى أنه من الأفضل أن تعود الحفلات الغنائية وتكون مفتوحة للكل وبأسعار رمزية لتفادي العبث، وأن يعلن عنها في شبكات التواصل الاجتماعي، وأن يكون هناك أرقام للتواصل مع المنظمين وحساب على السناب شات لتغطية الحفلات الغنائية إلى جانب التغطيات التلفزيونية ليبث لمن لم تساعدهم ظروفهم للحضور، مشيرة إلى أن الطائف كانت منذ سنوات مدينة مهملة فنياً "وقد أعاد لها سوق عكاظ مجدها الفني، وبالنسبة لحفلة محمد عبده فقد كانت خطوة إيجابية من السوق بإعادة الحفلات الغنائية بعد توقفها فتره من الزمن"، لافتة إلى أن الحضور المجاني للحفلة جاء متناغماً مع تقدير القائمين علي فعاليات السوق للحضور، وحتى لا يكون أمام المواطن السعودي أي عقبات مادية للاستمتاع بالفن السعودي الأصيل داخل وطنه، مطالبة بمكان مخصص للنساء للحضور الحفلات واحترام خصوصيتها وتقديرها، "لاسيما أن النساء جزء من المجتمع ولهن الحق في حضور جميع الفعاليات والمشاركة فيها". ويقول الكاتب فايز الخالد "لأننا في حقيقة الأمر نتحدث عن مجال ترفيهي، فإن الزاوية الاقتصادية في هذا الموضوع هي التي أميل للتطرق إليها لقلة الحديث عنها وكأنها آخر الاهتمامات بينما هي أهمها في صناعة الترفيه. أولاً: إذا كانت الشريحة المطالبة بإقامة حفلات غنائية محلية تمتلك عدداً لا بأس به في هذه الآونة، فيجب أن ننظر للقيمة المدفوعة محلياً مقابل تذكرة الحضور للحفلة الغنائية ومقارنتها بقيمة قد تصل إلى عشرة أضعاف في مسارح أوروبية أو في دول عربية مجاورة. ثانياً: نسبة إشغال الفنادق سيكون لها الأثر الإيجابي ليس فقط لأصحابها السعوديين مما يدفعهم بالمزيد من الاستثمار محلياً، بل سيزيد نسبة السعودة ولو بنسبة طفيفة في حال استمرت في استضافة الكثير من محبي هذا النوع من الترفيه، ثالثاً: كل الأشغال التي لها علاقة كالمطاعم والمواصلات والمحلات التجارية ستكون في أعلى نسب الإشغال في الليالي المحددة والمعلن عنها مسبقاً، رابعاً: النسبة الأكبر من جمهور الفن ليست له القدرة المادية للسفر والسياحة من أجل حضور حفلة غنائية أو الالتقاء بمطربه المفضل، بمعنى أن إقامتها محلياً سيجلب هذه النسبة الأكبر للحضور وبالتالي سيكون العائد للمستضيف وصاحب مكان الحفل وأيضاً للمطرب نفسه، أكبر مما لو كانت في أي دولة خارج المملكة". فيما تقول الكاتبة أميرة علي "أنا مع أي احتفال وطني يحتضن أبناء وبنات الوطن، ليمارس الإنسان حقه وحياته في بلده ولا يلجأ للسفر "ليتنفس في الخارج" فلا ضير من القليل من الترفيه عن النفوس حتى لا تفرغ طاقاتها بشكل غير محمود". رحاب أبو زيد سكينة المشيخص اميرة علي حسن آل قدرة فايز الخالد محمد عبدالله علوان