يستعد السعوديون للقاء جديد يجمعهم بالفنان محمد عبده في مدينة جدة ليلة الثلاثين من يناير الجاري، في حفلة غنائية تنظمها روتانا بالتعاون مع الهيئة العامة للترفيه، يجدد من خلالها فنان العرب علاقته المتميزة بالحفلات الجماهيرية داخل المملكة التي بدأها منذ مطلع السبعينيات الميلادية واستمرت حتى شهر أغسطس الماضي، في مسيرة حافلة احتوت على مئات الحفلات التي أحياها الفنان الكبير في مختلف المدن السعودية، من جدة إلى الطائف إلى أبها مروراً بالرياضوحائل. من يتابع مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام ويرى الحملة التي يشنها البعض ضد الحفلة المنتظرة سيعتقد أنها الحفلة الأولى لمحمد عبده داخل المملكة وأن الاعتراض إنما هو على أمر طارئ جديد ومستحدث في الفضاء المحلي، بينما التاريخ يقول إن محمد عبده منذ انطلاقته وهو في لقاء مستمر مع الجمهور السعودي في المناسبات العامة –مثل الجنادرية وسوق عكاظ- أو في الحفلات الخاصة التي تنظمها الأندية الرياضية أو التلفزيون السعودي أو فروع جمعية الثقافة والفنون. علاقة محمد عبده المباشرة بجمهوره في المملكة بدأت من خلال مسرح الإذاعة ومسرح التلفزيون وحفلات الطائف نهاية الستينيات وبداية السبعينيات الميلادية، وهي المنصات الرئيسية حينها لإطلاق الأعمال الغنائية الجديدة، وكان فنان العرب رقماً ثابتاً فيها، يصدح بأغانيه التي ستجعله فيما بعد من نجوم الأغنية السعودية وأهم المؤثرين في تاريخها. ورغم محدودية الجمهور في هذه الحفلات إلا أنها كانت مؤشراً لمدى القبول الاجتماعي للفن وللفنانين قبل أكثر من أربعين سنة. وقد انطلق بعدها فنان العرب ليسجل حضوره في أهم المناسبات الوطنية العامة والخاصة في أغلب مدن المملكة. يسجل التاريخ أن محمد عبده قدم حفلة غنائية جماهيرية في نادي الحمادة بالغاط في السبعينيات، كانت استهلالاً لعلاقة مميزة ستربطه بالأندية الرياضية، والتي وصلت ذروتها في الثمانينيات الميلادية، حيث قدم عشرات الحفلات في مختلف الأندية وفي عدة مدن سعودية، من أهمها حفلاته في مدينة الرياض؛ في نادي النصر عام 1981م، وفي نادي الهلال عام 1984، وفي مدينة حائل عام 1985 عندما أحيا حفلة نادي الطائي بمناسبة الصعود للدوري الممتاز. كانت هذه الحفلات التي تنظمها الأندية الرياضية منصة مهمة التقى من خلالها محمد عبده بجمهوره بشكل مباشر، سواء في مدينة الرياض، أو في مدينة جدة عبر حفلات ناديي الأهلي والاتحاد، أو في احتفالية نادي الوحدة عام 1983، وغيرها من الأندية، ومن خلالها أطلق الفنان الكبير مجموعة من روائعه الغنائية الشهيرة. كما كان ضيفاً دائماً على المناسبات الرياضية العامة فأحيا حفلة في مدينة الرياض عام 1972 على هامش بطولة الخليج الثانية لكرة القدم، كما قدم حفلة في الطائف عام 1985 على هامش بطولة العرب لكرة القدم، وغنى في مدينة الرياض أيضاً عام 1988 أثناء انعقاد بطولة الخليج التاسعة لكرة القدم. شهد عقد الثمانينيات حالة نشاط كبير في الحفلات الغنائية الجماهيرية في مختلف مناطق المملكة، ولم يكن محمد عبده استثناء في حضوره المتواصل أمام الجمهور، فقد شاركه جميع نجوم الأغنية من طلال مداح إلى سلامة العبدالله وفهد بن سعيد وسعد جمعة وغيرهم، وقد شمل هذا النشاط فروع جمعية الثقافة والفنون والتلفزيون السعودي إلى جانب الأندية الرياضية. كان الجميع ينظم الحفلات الغنائية وأغلب النجوم كانوا نشطين وفاعلين وعلى تواصل مستمر ومباشر مع الجمهور. وكان مسرح التلفزيون في مدينة الرياض على رأس الجهات الفاعلة في هذا الاتجاه من خلال حفلاته الفنية المنوعة التي قدمها المذيع جاسم العثمان والتي استمرت حتى نهاية العقد وكان محمد عبده أحد نجومها المؤثرين. في بداية التسعينيات وحتى منتصفها، انحصرت علاقة محمد عبده بالجمهور في نافذة واحدة هي مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة، عبر الأوبريت الوطني السنوي، وقد توقفت خلال هذه الفترة الحفلات العامة التي تنظمها الأندية الرياضية، كما توقف مسرح التلفزيون عن نشاطه الفني المعروف، ولم يعد الحراك الغنائي إلى سابق عهده إلا في عام 1998 مع انطلاقة مهرجان أبها الغنائي الذي احتضنه مسرح المفتاحة في منطقة عسير وكان محمد عبده في مقدمة النجوم الذين غنوا فيها وشارك أغلب دوراته من العام 1998 إلى عامه الأخير 2007.وبالتزامن مع حفلات أبها، جاءت حفلات جدة الغنائية التي أقيمت ضمن مهرجانها الصيفي، نافذة أخرى أطل من خلالها محمد عبده على جمهوره منذ عام 99 وحتى عامها الأخير 2009. ليتوقف بعدها عن رؤية جمهوره داخل المملكة لأكثر من ست سنوات، قبل أن يعود في أغسطس الماضي لإحياء حفلة غنائية كبيرة في سوق عكاظ بمدينة الطائف. التاريخ الغنائي الكبير لمحمد عبده هو في الوقت ذاته تاريخ للقاءاته المباشرة مع جمهوره في مختلف مدن المملكة، وليست حفلته المقبلة في جدة إلا فصل جديد من علاقة مستمرة بينه وبين جمهور شغوف بالفنون ومحب للفنانين.