يطل علينا العيد وتطل معه البهجة والفرح الذي تاقت إليه قلوبنا ليوقظ بداخلها تلك المشاعر النبيلة والأحاسيس الدفينة، إذ ليس هناك أجمل وأعز من مناسبة العيد لمصافحة الأحبة مصافحة حارة والإفصاح لهم عن مكنونات الصدر ومعانقتهم عناقا يكسر الحواجز ويقرب المسافات غير أن هناك أشخاصاً قلوبهم تكاد تكون عصية على الفرح حضورهم باهت ومعايدتهم رسمية، فحتى سلامهم سلام مجاملة ومجرد تلامس سريع وبارد يخلو من كل معاني العيد السامية، فما الذي يغيّب معنى العيد ويواري فرحته لدى البعض ليشعر من حوله بأنه حاضر لأداء واجب اجتماعي ثقيل؟. مصافحة باليد بداية ترى عبير سالم أن معنى العيد لديها يكاد يكون مختزلاً في السلام والمصافحة باليد فقط، فهما من أهم مظاهره ويحملان معنى أعمق وأجمل إلاّ أن زمن المعايدة اليوم أصبح قصيراً ليعكس برودة وشح المشاعر، مضيفةً: البعض يكون سلامه بارداً وحسه بليداً لا يشعرنا بأحاسيس الحب ودرجة القرب منه، مبينةً أن اجتماعاتنا العائلية كذلك تفتقر لحرارة اللقاء وحفاوة الترحيب حيث نكتفي بتهاني المعايدة المتشابهة، مشيرةً إلى أنه بقدر ما تتسامى مشاعرنا وتغمرنا فرحة العيد إلاّ أننا لم نكسر حدة الرتابة في علاقاتنا ونقبل على أحبتنا ممن حولنا بفرح وبدفق المشاعر والمودة التي يحتاجونها وينتظرونها كيوم عيد كما أن هناك من لا يبادر بالمصافحة والسلام بسبب جفاء أو خلافات لم تتم تصفيتها بعد. تجاوز الخلافات وأكدت لمياء البلوي على أن هناك حقاً من يغفل أن يستحضر تلك المعاني السامية للعيد في نفسه وسلوكه ليشعر على الأقل باختلاف هذا اليوم عن بقية أيام العام، فمنهم من لا تزال مشاعر الحزن والكآبة تستحوذ عليه، ومنهم من يصر على الاحتفاظ بخصوماته وخلافاته، وأن حدث في يوم العيد والتقى صدفة بمن يخاصمهم سيقف كثيراً متردداً وربما متذمراً من تلك المصادفة ثم يقبل للسلام بمجاملة، دون أن يدرك أن يوم العيد يستحق أن نتجاوز كل الهموم والخلافات ونزيل ما في نفوسنا من أحقاد وضغائن لتتسع قلوبنا وصدورنا لاستقبال كل الحب والتسامح الذي يهدينا إياه العيد. عيد مجاملة وأوضحت رقية محمد أن الساعات الأولى من يوم العيد أصبحت تمر على البعض كطيف عابر يختفي أثره سريعاً، وبالرغم من أن صبيحة يوم العيد مناسبة يحرص فيها الكثيرون على الاجتماع واللقاءات العائلية التي ربما لا تتكرر في العام إلاّ في العيد نجد أن بعضهم يحضر فقط للسلام والمشاهدة، مضيفةً أن "لمة" الأهل هي فرحة العيد ومعناه الحقيقي إلا أنها أصبحت في العيد مجاملة لابد منها، ومجرد فرصة وللتباهي والمنافسة في زمن غلبت فيه المظاهر المادية على مشاعر الفرحة، مضيفة أن الفرح وإن لازم العيد كلفظ إلاّ أنه يكاد يكون غائباً عن لقاءتهم التي أصبحت كأنها عبء ينتظر الكل لحظة انتهائه منه بفارغ الصبر للبحث عن فرصة للنوم العميق، بعد أن أفسد حضوره النعاس والإرهاق، إذ ليس له حديث إلاّ عن رغبته الشديدة بالنوم، مؤكدةً على أن مناسبة العيد لا تستحق أن نستعد لها بالحضور الجميل والطلة البهية فقط، بل حتى بحضورنا الحميم والقريب من الآخرين، وقبل ذلك أن تكون نفوسنا مقبلة على تلك الفرحة بكل معانيها الصادقة. مشاعر باردة وذكرت رقية محمد أنه للأسف كل تلك الاستعدادات التي نبذل فيها الكثير من المال والجهد لا نشعر فيها بالمعنى الجميل للعيد الذي ارتبط في ذاكرتنا الطفولية والتي لم يكفينا فيها يوم العيد للفرح إذ كنا دائماً ما نحاول أن نختلق المناسبات والأعياد لنحتفل بها ونكرر سؤال والدتنا عن موعد قدوم العيد، ولكن اليوم هناك أمور كثيرة اغتالت فرحة العيد الحقيقة في نفوسنا حتى أصبحت مشاعرنا باردة تقوم بما يجب لرفع العتب فقط، فما الذي يقف أمامنا يوم العيد لتصبح مشاعرنا أكثر رقة ودفء، متسائلةً: لماذا لا نطيل المصافحة بالأيدي ونربت على الأكتاف ونطبع القبلات على جبين أقرب الناس لنا؟، لماذا لا تكون معايدتنا لهم مختلفة عن معايدات الآخرين؟. رسائل تهنئة وقالت منال القحطاني: إنه في خضم تلك المتغيرات والمستجدات التقنية غابت مظاهر الاحتفاء بالعيد وتلاشت تلك الحميمية والحفاوة في الاستقبال، مضيفةً أن الكثيرين عمدوا إلى إرسال رسائل التهنئة بالعيد لإعفائهم من المعايدات المباشرة، حتى مع أقرب الناس إليهم من الأرحام أو الجيران، مضيفةً أنها قررت في العام الماضي معايدة جارتها الجديدة يوم العيد إلاّ أنها شعرت بعدم ترحيبها بتلك الزيارة الثقيلة، والتي اعتبرتها الجارة مفاجئة في حين أن العادة جرت أن تكون أبواب المنازل مفتوحة ومهيأة لاستقبال المهنئين أياًّ كانوا، متسائلةً: هل أصبحت التهنئة بالعيد تحتاج إلى مواعيد مسبقة واستئذان بالزيارة، مشيرةً إلى أنه في العيد نحن لا نريد رؤية عروض للأواني والأزياء والأثاث، بل نحاول أن نبحث عن تلك الفرحة ونستشعر قيمتها حين نجدد الصلة ونوثق العلاقات التي تترك أثراً جميلاً في نفوس الآخرين بعد أن مللنا من جمود المشاعر وسلام المجاملة حتى في مناسبات الأعياد. النفوس النقية تصافح وتتسامح بسلام حار ومشاعر صادقة بادر بزيارة جارك والسلام عليه في العيد على المتخاصمين تجاوز خلافاتهم في العيد ونشر الفرح والمحبة بينهم