للأسماء المستعارة حكاية قديمة. استخدمها الكثير من المبدعين لمداراة أمر ما. وقد يبرر الأمر في أن تحمل قصيدة ما اسماً مستعاراً. وكذلك أن تكون إحدى المقالات بتوقيع اسم مستعار فهذا أمر معتاد. ولكن أن تصدر رواية بثقلها الإبداعي ومؤلفها يختبئ خلف اسم مستعار فهذا أمر يدعو للتساؤل وشيء من القلق. فالمشهد السعودي استقبل بذهول رواية غير وغير وهي تحمل ايضا اسماً مستعاراً «هاجر المكي». ولم تمض فترة زمنية طويلة حتى صدرت رواية أخرى بعنوان «قرآن الحسين» وهي تحمل اسماً مستعاراً يدعى «طيف الحلاج». والأمر هنا لا يتوقف على مجرد رغبة كاتب مغامر يتخلى عن شجاعته وعن حقه الأدبي. ليترك منتجه الإبداعي في غربة الاسم المستعار. الأمر الأكثر أهمية هو: هل يتم تصنيف تلك الروايات ضمن المسيرة السردية للرواية المحلية. هل سيهتم بها الناقد والراصد؟. هل تصبح تلك الروايات ملجأ للمغامرات السردية والتجارب. هل تصبح مأوى لمن اراد أن يكتب في الممنوع والمسكوت دون أن يخشى مساءلة من أحد ما!! وقبل أن تتحول حكاية كتابة الرواية باسم مستعار إلى ظاهرة تبعث القلق في المشهد، «ثقافة اليوم» تطرح هذه التساؤلات على عدد من المبدعين في شأن السرد. يقول الناقد علي فايع: دعنا نقفل مع كلمة ظاهرة، ونتفق، هل يمكن أن نطلق على ثلاثة أعمال أو أربعة ظاهرة؟. وإذا سلمنا بأنها ظاهرة فهل يمكن أن تكون الأسباب فقط ضغوطاً اجتماعية، في رأيي أن هناك خوفاً من الفشل يتلبس المبدعين المحليين، والدليل أن هناك ثورة ضد النقد في داخل كل مبدع إذا ما لامس العمل جوهر النص الإبداعي، وثورة من النقد إذا استحسن عملاً مضاداً لمبدع آخر، نحن نعلم أن هناك إمكانية في عطف الناقد على العمل وعطف الناقد على المبدع ذاته، بأن يخلق له فسحة من الأمل في أن ينظر للعمل وفق منظوره الاجتماعي الذي يأخذ أكثر من باب. وأكثر من زاوية، دون التفاتة تذكر لفنية العمل التي لم نعد نبحث عنها كخيار أول. ويضيف الناقد علي آل فايع: على المستوى الشخصي لا يمكن أن تكون الأسباب محصورة في الكتابة الجريئة، التي توجب الاختباء خلف أسماء مستعارة ودليلي أن هناك كتاباً محليين كتبوا في الممنوع والمحظور الاجتماعي، مثل: عبده خال ويوسف المحيميد ورجاء الصانع ومحمد حسن علوان وفهد العتيق وقبلهم غازي القصيبي وتركي الحمد كتبا في المحظور الاجتماعي والديني أيضاً، لكن من الأسباب التي يمكن توقعها في هذا الشأن قلة احتكاك الكاتب بالوسط الأدبي، والدليل أن رجاء الصانع خرجت لنا فجأة، ومع ذلك ظلت متماسكة، وهناك إمكانية أن يكون الكاتب طارئاً على الوسط الأدبي بمعنى أن يكون صاحب تجربة فعلية ويخشى أدبياً من حضوره المفاجئ في الوسط، وهناك أناس لا تهمهم الشهرة ولا حتى الحضور الأدبي بقدر ما يحرصون على الدفع بما يمكن أن يكون منغصاً نفسياً عليهم. لم تعد هناك ضغوط يمكن أن يحسب المبدع حسابها أكثر من اللياقة الذاتية لدى المبدع. القاص محمد الشقحا يعتبر تلك المسألة مرتبطة بالمغامرة والتجريب لدى الكاتب فيقول: ممكن نمو ظاهرة الأسماء المستعارة في كتابة الرواية، إذا قرر المؤلف كتابة تجربته كمغامرة مثالية حتى يؤكد لشريكه في تشكل النص مقدار صدقه، وهذا أجده في رواية (غير وغير) عندما نكتشف أن اسم المؤلفة مستعار ولنا في تجربة الكاتب الجزائري المعاصر الذي أصدر عدداً من الروايات باسم نسائي ولما شعر بالأمان في فرنسا كشف هويته. الاسم المستعار لا يمنح العمل صفة الجرأة، من خلال ما نجده في الأدب العربي بأسماء حقيقية مثال الدكتور تركي الحمد وثلاثيته، زينب حفني والرقص على الدفوف لليلى الجهني والفردوس اليباب، الخبز الحافي لمحمد شكري، الرواية لنوال السعداوي، ونهاية سري لخيرهم زكية. ويعتبر الروائي محمد المزيني الخوف من عدم نجاح التجربة الأولى قد يكون مبرراً للجوء المبدع إلى كتابة الرواية باسم مستعار ويقول: لا أعتقد خصوصاً في زمننا هذا حيث أصبحت الحقيقة ابنة شرعية للجميع بالانتشار الهائل والضخم لوسائل الإعلام فما يمكن أن يقال في الأزمنة السابقة حيث الاستعمار في بعض البلاد العربية وتفشي الجهل في بلاد أخرى لم يعد يتماهى مع إنسان العصر الحديث وخصوصاً في مجال الأدب والرواية تحديداً لخصوصية الرواية بين صنوف الأدب الأخرى من حيث تقنياتها الكتابية الخاصة بها بالنسبة إلى الكاتب وتقنيات السرد وعلاقة الشخوص بالأزمنة والأمكنة بالنسبة للقارئ الذي سيحتاج إلى تهيئة نفسية وتوفير المناخ المناسب للقراءة بغض النظر عن الكاتب فكم من رواية تقرأ دون الالتفات إلى الكاتب إلا من باب تصنيف العمل من حيث الجودة والرداءة وهنا يكمن الخلط أحياناً عند تناول أي عمل روائي بين قيمة العمل الأدبية وبين ما تطرحه الرواية من أفكار ورؤى ليست بالضرورة هي متبنى شخصيا للكاتب وهذا الفخ الذي سقط فيه القراء من عامة الناس عند تناول أي رواية جعلهم لا يميزون بين متعة القراءة الأدبية والتفاعل مع شخوصها وأحداثها وبين كاتب الرواية وهذه لوثة يجب أن نتخلص منها سريعاً وأن لا ننصاغ للأحكام الجاهزة لأي عمل أدبي لاختلافه جذرياً عن أي شيء آخر وكما قلت في البداية كتاب الرواية في هذا الفضاء المفتوح على كل الحقائق البائسة منها والجميلة لن يثنيهم أي من الأحكام الجاهزة والمجانية ما دام النقاد الحقيقيون لم يصدروا كلمتهم بعد وعندما تصدر هذه الكلمة العلمية الصادقة فلن تستبدل الأسماء الحقيقية بأخرى مستعارة بل ستتوارى إلى الابد. ويضيف المزيني: بالنسبة للأسماء الروائية المستعارة التي ظهرت مؤخراً فلا اجدها مبررة بدفع اجتماعي أو سياسي كما كان سابقاً بقدر ما هي اختبار لمدى نضوج هذه الأعمال نبع ذلك من خوف يتمثل في احتمالية عدم نجاح هذه التجربة الأولى وربما تكون هذه الأسماء المستعارة حقيقة لأسماء كبيرة معتبرة في فضاء السرد وتحب تقديم تجربة مختلفة عن النهج الذي ابدعت من خلاله وتتورع عن خوض غمار تجربة مغايرة.