وهي فوضى حقيقية، فقد تصدى في هذه الأيام كل من لديه شيء من العلم للفتوى في أمور أكثرها لايضر المسلم ولا ينفعه بل قد يثير نوعاً من البلبلة والجدل السوفسطائي، وأذكر من هذا القبيل الفتوى التي صدرت قبل سنين عن جواز لبس المرأة للبنطلون الجينز الأمر الذي حدا بإحدى السيدات أن تسأل الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله عما إذا كان يجوز لها لبس هذا البنطلون إذا كانت في خلوة مع بعلها، فأجابها الشيخ الجليل بما معناه أنه إذا كان يجوز لها أن تتعرى أمامه، فلماذا لايجوز لها أن تلبس جينزاً أو ميني جوب، أي تنورة قصيرة، وكنت أحسب أن صفحة هذا الموضوع قد طويت إلى الأبد إلا أن أحد المشايخ في مصر وفي الجامع الأزهر بالذات واسمه الدكتور رشاد خليل قد طلع علينا بفتوى جديدة في هذا الصدد مفادها أن الزواج يبطل إذا خلعت المرأة جميع ملابسها أمام الرجل أثناء عملية الجماع، مما أثار بعض المشايخ الآخرين الذي أفتى أحدهم أن أي شيء يقوي العلاقة بين الزوجين مسموح به، وكالعادة حينما يكون هناك إفتاءان مختلفان يتصدى فريق ثالث بفتوى مختلفة أو وسط بين الاثنين، وهذا ماحدث إذ أفتى هذا الفريق الثالث بجواز التعري عند الجماع إذا لم ينظر أحد الزوجين إلى عضو الآخر (وكأن هذا ممكن) وأنا لست في موقف أو على علم يسمح لي بالترجيح بين هذه الفتاوى، ولكنني أتساءل عن جدواها في هذا الوقت العصيب الذي تقف فيه الأمة الإسلامية في مفترق الطرق بين الغلو والتفريط، وتتعرض لهجمات شرسة من كل حدب وصوب تتهمها بتهم لا أساس لها، هجمات ليس فيها أي هوادة أو إنصاف؟ أليس الأولى أن يجتمع علماء المسلمين ولديهم فعلا منتديات ومجامع لذلك كالمجمع الفقهي والرابطة الإسلامية والمؤتمر الإسلامي ويتصدوا لهذه الهجمات بالرد والتمحيص وتبيين حقيقة الدين، واقتصار الفتوى على مايستجد من أمور العصر مما لم يرد فيه نص، وللمسلمين حاجة فيه لاغنى لحياتهم عنه كاستخدام الحمض النووي في إثبات البنوة أو الأخذ بالتقنيات الحيوية.. وهي أمور تتعلق بالحياة والموت، واللهم ماكان لنا غنى عنه فأصرفه عنا، وجنبنا اللغط والجدل وتوافه الأمور، إنك سميع مجيب.