كتبت هذا المقال رداً على ما كتبته الأخت أمل في جريدتكم في المقال الذي عقبت فيه على الاستاذة سهام الشارخ حول مسألة غياب المعلمات... وأود قبل أن أبدأ مقالي هذا أن أسأل الأخت أمل عدة أسئلة: س: الأم التي توقظ ابنتها من الصباح الباكر وتنتشلها من الدفء... ألا تشعر بالقهر وابنتها رجعت وهي لم تدرس سوى ثلاث حصص بسبب غياب نصف المعلمات؟؟ س: ألا تتضايق الأم من عدم حصول ابنتها على القدر الكاف من التعليم؟؟؟ س: ألا يحزن الأب الذي ينتزع نفسه من فراشه كي يوصل ابنته لمدرستها منذ الصباح .. حارماً نفسه الاستمتاع بغفوة خفيفة قبل يوم عمل شاق.. ثم يتفاجأ بأن ثلاث معلمات تغيبن عن الحصص المخصصة لتعليمها؟؟؟ س: ألا يتضايق الأهالي من توقف المناهج وتعطلها بسبب تغيب المعلمة وتهاونها؟؟؟ س: المديرة ... ألا تعاني من غياب المعلمة....؟ س: أليس غياب المعلمة يربك المدرسة ويعيق استقرار يومها؟؟ س: أليس غياب المعلمة يرهق زميلاتها والتي تضطر الواحدة منهن أن تدخل حصصها بدلاً منها؟؟ س: ألا تتضايق المساعدة والتي لا تكاد تفارق جدول المدرسة وتنفق الوقت وهي تعدل وتغير وتدون في سجل الاحتياط كماً من الحصص... تكره مع كل هذا التغيير الدخول لغرفة المعلمات حتى لا تعاني من تذمرهن وسخطهن.. وحتى لا تتهم بمحاباتها للبعض دون الآخر؟؟؟ س: ألا تعاني المشرفة التربوية من الضيق الشديد إذا حضرت ولم تجد المعلمة التي خططت للحضور لها؟؟؟ س: والإدارية .. والمراقبة.. ألا تتضايق من غياب المعلمات وتعاني من إدخال الطالبات وتعاني من تأخر معلمة الانتظار؟؟؟ س: كل هذا الضيق ظهر على مستوى مدرسة واحدة فقط... فكيف به على مستوى إدارة التعليم وهي مسئولة عن المدارس كلها؟!!!.... ولتعلمي عزيزتي أن غياب المعلمة يربك العملية التعليمية والتربوية بأسرها... ربما تنعتين طرحي هذا بالمبالغة.. حسناً.. سيزول هذا الشعور إذا تأكدت من أن وزارة التربية والتعليم وأنت وأنا وكل موظفات هذا القطاع.. كلنا نعمل من أجل هذه الطالبة ونأخذ مرتبنا بسبب وجودها... وما وجدنا للعمل في هذا القطاع إلا لأنها هي موجودة في الصف... إن هذه الطالبة التي تستهين بوجودها وبأهميتها... هي محور ومدار العملية التعليمية وأساس نشوء وزارة التربية والتعليم. لذلك كان لا بد لنا أن نفكر في أمر من يتعاملون معها مباشرة... ولم نجد أكثر التقاءً بها.. سوى المعلمة.. ومن هنا جاء خوفنا من غياب المعلمة. إننا نحن أمام مشكلة ولا بد من الاعتراف بها أولاً.. ثم محاولة إيجاد الحلول لها. أختي الكاتبة: س: كيف تصفين جو الإشراف بالتسيب؟؟؟ هل وقفت عليه وسألت عن واقع المشرفات حقاً؟؟؟ أم أنها الصورة المتخيلة هي التي ألقت بظلالها على كلماتك؟؟؟ لقد وصمت عالم المشرفات بأنه عالم متسيب... وأحببت أن أوضح لك شيئاً ربما لا تعرفيه عن هذا العالم... (عالم المشرفات ليس عالماً مسلياً كما قد يظن البعض.. بل إنه يزدحم بالغدو والرواح ويمتلئ بالأعباء والمسئوليات... ويسير عمل المشرفات هناك وفق نوع دقيق من النظام... المشرفة تدخل وتخرج (بالكرت)... كما أنها لا بد أن تدون ساعات الاستئذان في نفس اليوم وإذا اضطرت للغياب فعليها ترفع الاضطراري في الغد... وتحاسب على كل أعمالها بدقة.. وتتحمل مسؤولية أخطائها... وتلتزم بالدوام ولا يمكن أن تخرج واحدة قبل الوقت... ويتم تدوين وقت الدخول في المدارس ووقت الخروج منها.. ويشدد في اليوم الكامل بل ولا تمنح المشرفة أكثر من يوم واحد في الأسبوع علماً بأن اليوم الكامل قد تتأخر فيه أكثر مما سواه.. ولا بد أن تكتب تقريراً مفصلاً يصف أعمالها وذهابها ومجيئها... وهذا عدا المسئوليات المضافة لها... ومن متابعة وصول الكتب للمدارس في بداية العام متابعة سير اختبارات وحضور مبكر يسبق حضور أشعة الشمس لأجل الامتحانات... بل إن الكثير من المشرفات يخشين الله ولا يخن الزمانة... فلربما شعرت بالعطش أثناء رجوعها من جولتها المدرسية لكنها لا تقف لأجل أن تشتري شربة ماء.. خوفاً واحترازاً منها على الوقت وإحساساً منها بأن وقتها ليس لها بل لعملها. وإذا ثبت تجاوز المشرفة لهذه الأنظمة أو ثبت تسيبها (وهذا وارد) ... فإن الإدارة تتخذ معها إجراءات صارمة... وأسألي في هذا الشأن الموظفات في شؤون الموظفات. فهل بعد هذا ستصفين جو الإشراف بالتسيب؟؟؟ ثم يا عزيزتي... ألا ترين أن الصواب هو الذي جانبك أنت وأخي الكاتب محمد في مقالته التي كانت بعنوان (عفواً سهام لا تسددي السهام بعشوائية) حينما حرفتما أمر الغياب إلى توجيه التهم لشخص الأستاذة سهام؟؟؟ فقلتما: (تملكتها الغيرة والحقد)... (الاستعداء والتحريض ضد شريحة المعلمات) .. لا أدري لماذا يتم إقحام شخص الكاتب حينما نتناول مشكلة ما؟؟؟ أليس من الأدب في الحديث عن مشكلة ما ... أن نسعى للحل فقط دون الدخول في نوايا الناس والتهجم عليهم وعلى ذواتهم... ألا ترون معي أن هذا النهج يخالف أساليب الحوار وهو التركيز على الفكرة وليس الشخص الذي طرحها. لقد طرحت الأستاذة سهام فكرة وعليكما أن تتكلما في إطار الفكرة ذاتها. هذا مع العلم... أن المسئولات في المكاتب يقضين أوقاتهن في العمل الدؤوب (إعداد حلقات للمشرفات والقيام بجولات للمدارس ومتابعة واجتماعات ولقاءات.. إلخ).. بل إن الوقت يمضي بهن فيتجاوزن الوقت ويخرجن بعد انتهاء الدوام بساعة.. واسألوا من تشاءون وأنصحكم بسؤال بواب المركز نفسه. أخي الكاتب محمد: تقول في عنوان مقالك (لا ترسلي السهام بعشوائية)... عن أي عشوائية تتحدث؟؟؟ هل تسليط الضوء على هذه الظاهرة وعمل دراسات واحصائيات تعتبر أمراً عشوائياً؟؟؟ إذن ما هو الطرح المنظم في نظرك؟؟ وبودي لو سألت الكاتب سؤالاً واحداً فقط: لو كان لديك بنت .. وأنت أب حريص على مستقبل هذه الابنة... وهي في الصف الثالث ثانوي وتشتكي لك كل يوم من غياب معلمة الإنجليزي والكيمياء.. هل كنت ستقول هذا الكلام؟؟؟ ولقد ثبت أنه وفي بعض المدارس تتوقف الحصص وتمر الأيام والطالبة لم تأخذ أي حصة في بعض المواد مثل الكيمياء والانجليزي أو الرياضيات، وقد تصل المدة لشهر كامل... والأدهى من هذا كله أن المعلمة المتغيبة تضغط نفسها والمنهج وتضغط الطالبة في آخر الوقت... كي توقع على إنهاء المنهج وتنتهي من التزامها... فهل هذه الطريقة المتبعة من قبل الكثير من المتسببات سليمة؟؟ وهل ستستفيد الطالبة من درس سريع يتلوه درس يتلوه درس...؟؟؟ أنا أجزم أنك لو اطلعت على الأرقام المهولة للغياب لقدرت طرح الأستاذة سهام.. ولو عانيت ما يعانيه الأهل من تأخر المناهج وتعطلها لأدركت حجم المشكلة... لكني أعذرك فأنت تطرح الموضوع وأنت بعيد عن المكان الذي تتحدث الأستاذة سهام منه ونقف عليه ونعاني من تبعاته... بل وحتى الطالبة نفسها تقلق بسبب تغيب معلمتها المستمر والذي يفوت عليها الفهم والتركيز. عموماً... المتضرر عند طرح كل هذه القضايا هو المعلمة المتسيبة والمفرطة في الغياب فقط وهي التي تتألم إن عوقبت... أما ما عداها من معلمات رائعات يخلصن في عملهن يحضرن رغم كل الظروف والمشاكل التي تواجههن ويضعن المنهج والطالبة نصب أعينهن ما أكثرهن ولله الحمد، فحالهن مختلف.... وليت الصورة بهذا الشكل دوماً وليت المعلمات بهذا المستوى جميعاً.. ولو كان الأمر كذلك لما استدعى الأمر عمل دراسات ومتابعة وإجراءات... فهناك معلمات تمادين وأفرطن في الغياب حتى لا يكاد يمر الأسبوع إلا وقد تغيبن ثلاث مرات حتى صار الأمر بالنسبة لهن يعد نوعاً من التسلية، فهناك من تسألها عن سبب غيابها فتقول بكل هدوء (قمت الصبح طفشانة) (مالي نفس أجي) أو تقول (كنت سهرانة وما قدرت أقوم الصبح) (حسيت بصداع الصبح) واحدة تقول متندرة (لازم أغيب يومين في الأسبوع ولا يصير لي شيء) وفي النهاية... الذي يدفع ثمن غياب واحدة.. كل من بالمدرسة بدءاً من المديرة والمساعدة والمراقبة والمعلمات وانتهاء بالطالبة.. والأهل... وليتك أخي تطلع على شكاوى الأهالي حتى تدرك خطورة الأمر... ولو سألت شؤون الموظفات لأرعبوك بأرقام مهولة للغياب تعيق التعليم والتربية.. وهؤلاء المفرطات هن من كانت تعنيهن الأستاذة سهام في طرحها وليس الكل كما توهم البعض. كل هذا الكلام الذي بعاليه لا يعني أن هذا الأمر (الغياب والتسيب) هو الأصل... لا ... بل الأصل هو الحضور والالتزام من قبل شريحة كبيرة من المعلمات المخلصات والمتفانيات لمهنة التدريس والشاعرات بعظم الأمانة الملقاة على عواتقهن والخائفات من المساءلة الربانية وقت العرض عليه سبحانه... وهؤلاء علينا تذكرهم.. فحينما نشعر بمرض في عضو فعلينا أن نحمد الله على سلامة الأعضاء... ونحن نحمد الله أن في مدارسنا نماذج رائعة... .... وهؤلاء يتم تكريمهن كل عام جزاء انتظامهن ومثابرتهن... إنهن نماذج رائعة للتحمل والصبر يضغطن على أنفسهن ويتحملن ظروفهن من أجل أن تعيش المدرسة استقرارها اليومي... وهؤلاء تتشرف وزارة التربية والتعليم بهن وبوجودهن... ونسأل الله أن يشكر سعيهن. وإن المتأمل لحال التعليم يجد أن العملية التعليمية والتربوية عمل تكاملي جماعي... وإذا أخل البعض بعمله أثر ذلك على البقية... وأن المرض إذا أصاب جزءاً (حتى لو كان صغيراً) فلا بد من تركيز الاهتمام إليه.. والعناية بالبحث له عن حل... وإن كان لا بد من البتر... فلا بأس ... فالبتر على صعوبته وقسوته يظل خيراً من أن يستشري المرض في الجسد كله... إن حماية الجسد بكامله تتطلب منا التضحية بالإصبع الواحد... وديننا يحثنا على أن نرفع الظلم عن الظالم (انصر أخاك ظالماً ومظلوما) تنصره ظالماً بردعه عن ظلم نفسه قبل ظلم غيره... ذلك لأنه ذات يوم سيقف أمام الجبار ومعه كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. وستسأل المعلمة عن الأمانة التي تحملتها... وكلكم راع ومسئول عن رعيته.. تقول إحدى معلمات الابتدائي: (كثيراً من الأوقات أسأل نفسي ... يا ترى راتبي حلال أم حرام؟؟) أسأل الله للجميع الإخلاص في العمل ومخافة الله في السر والعلن.. وأن يرزقنا شكر نعمته.