مواصلة للحديث قلت بأن وزارة الثقافة والإعلام كانت ومازالت تدعم المنتج المنفذ السعودي - وبالتالي الدراما السعودية أملاً في تقديم أعمال فنية راقية تكون بذرة لصناعة «للدراما» الوطنية وتحقق أهدافها على الصعيدين الفكري والاقتصادي.. أو هذا هو المفترض منطقياً فهي ليست على كل حال مؤسسة للضمان الاجتماعي!! - بتعميده على الانتاج المحلي فيما بين 75 الى 150 ألف ريال على الساعة الدرامية وأحيانا أكثر، أي ما بين 20 الى 40 ألف دولار على الساعة - وللمعلومية فإن هذا السعر مناسب جدا (أي أنه ليس بالكثير ولا بالقليل أيضاً) لإنتاج عمل درامي بمواصفات جيدة ومنافسة تشرف الدراما السعودية وتدفع هذا المنتج ليدخل أضعاف هذا المبلغ ويوصل الرسالة الإعلامية والثقافية المأمولة بشكل أوسع فيما لو كان بالمستوى الفني المطلوب وبيع العمل كعرض ثان وثالث ورابع لمحطات عربية أخرى بل وحتى أجنبية!! -، وقلت كذلك بأن المنتجين يصنفون الى ثلاثة أصناف بحسب عدد الأعمال الدرامية المعمدين عليها سنوياً، وخلصنا سوياً الى مفصل حيوي هام إليه «ربما» يرجع سبب نجاح أو تخلف الدراما المحلية: السبيل الذي يسلكه المنتج المنفذ السعودي في انتاجه لأعماله الدرامية وقلنا بأنهما سبيلان لا ثالث لهما وربما تفرع من أحدهما سبيلان فرعيان!!. منتجنا (س) في المثال الواقعي السابق - ولا أعمم فهناك كما أسلفت منتجون مخلصون وواعون تعرفهم بأعمالهم المميزة ولكن الكثرة للأسف تغلب الشجاعة!!- حصل في المحصلة على عدد من الورقات «مخربش» عليها باللون الأسود سمها ما شئت الا نصا دراميا!! ويريد الآن تحويل هذه الورقات الكثيرة العدد الثقيلة الوزن الخفيفة الفائدة لدرجة قد تصل الى العدم وأحياناً الضرر غير المقصود - فكل داء له دواء الا الحماقة أعيت من يداويها - إلى مسلسل درامي أو هكذا يطلقون عليه!. س: أمام خيارين الأول ما أسميه ب(المنتج المنفذ للمنتج المنفذ؟!!) بجملة أوضح: المنتج المنفذ الأجنبي الذي ينفذ المسلسل السعودي للمنتج المنفذ السعودي.. الذي بدوره ينفذ المسلسل للتلفزيون السعودي!.. وسنسمي السالك لهذه الطريقة ب(سَ) أي المشتقة الأولى من (س)!! علماً أن (سَ) هذا قد يكون بحد ذاته قابلاً للاشتقاق أيضاً فيصبح لدينا (سً) أي المشتقة الثانية من (س)!! وفي ذلك تفصيل يعلمه كل ذي لب.. والخيار الثاني أن يقوم المنتج (س) بانتاج مسلسله بمعرفته أو لنقل بنفسه - ونذكر بأننا لازلنا خارج نطاق التعميم وإن كنا نصف الأمر كظاهرة -. نعود الى خيارنا الأول فنرى أن (س) هذا إما أن يعطي مسؤولية انتاج العمل كاملة للمنتج الأجنبي (سَ) «ويحط الفرق في جيبه ويريح راسه» بحيث يكون العقد بينهما بما يقارب الصيغة التالية: يقوم (سَ) بتنفيذ مسلسل (س س) والمكون من عدد (كذا) حلقة مدة كل حلقة (كذا) دقيقة ويتحمل جميع التكاليف الانتاجية بما فيها المخرج و (الكاست الفني) ووو... على أن ينتج العمل لصالح المنتج السعودي (س) ويسلم المسلسل جاهزاً للعرض للمنتج (س) في مدة أقصاها تاريخ ).....( الموافق (.....)، ويشترط المنتج السعودي (س) على المنتج (سَ ) أن يكون هناك عدد لا يقل عن (كذا) ممثلاً سعوديا ويتحمل (سَ) مصاريف اقامتهم وتنقلاتهم ومعيشتهم في بلد (سَ) مدة بقائهم للتصوير كما يتحمل قيمة أجورهم والتعاقد معهم مقابل أجر ثابت يدفعه المنتج السعودي (س) على دفعات بحيث تكون كل ساعة درامية بمبلغ وقدره (15) ألف دولار«والحسابة بتحسب»!!.. أو يكون العقد مقاربا للعقد السابق ولكن يقوم المنتج السعودي (س) بالتعاقد بمعرفته مع عدد (كذا) ممثل سعودي (وهذه الطريقة بالمناسبة أفضل وأوفر للمنتج(س) حيث انه «سيتشاطر» على الفنان السعودي المسكين ويبخسه حقه! كما أنه ربما كان أحد أبطال هذا المسلسل!!( ويتحمل كافة أجورهم وتذاكر سفرهم على أن يتحمل المنتج (سَ) تكاليف اقامتهم وتنقلاتهم وإعاشتهم وذلك بمقابل (10) آلاف دولار على الساعة الدرامية يتقاضاها (سَ) من المنتج (س) على دفعات (الأسعار والتفصيلات أعلاه تقريبيه وليست دقيقة على كل حال).. طبعاً من خلال الخيار الأول وتفرعاته فإن جميع طاقم العمل من فنيين وإداريي ومنفذي انتاج وفريق اخراج وممثلات وأغلب الممثلين (أكثر من 70٪ من الشخصيات الرئيسة) وممثلي الأدوار الثانوية والكومبارس بنسبة (99٪) ومواقع تصوير وفي الغالب كتاب النص أيضاً: غير سعوديين.. بل ولا يعرفون أساساً طبيعة البيئة والمجتمع السعودي (ولربما كان لديهم تصور خاطئ عن ذلك!! ولربما أيضاً كرسوا هذا المفهوم بشكل أو بآخر خلال هذه الأعمال؟!!) إضافة الى أنهم ليسوا بدرجة كبيرة من المهنية ونظرتهم تظل دونيه للممثل السعودي (وهم ربما لا يلامون على ذلك!!).. ثم يأتيك الممثل السعودي من بلده الى البلد المراد التصوير بها ليفاجأ بالتجهيزات الغريبة لمواقع التصوير والتي لا تمت للمجتمع السعودي بصلة.. كما يفاجأ بأنه أصبح مصحح لهجة للممثلين والممثلات العرب أو (أحياناً للممثلين الخليجيين أيضاً).. بل ولربما في أحايين كثيرة عمل أيضا ك( ملبساتي) حيث «يصلح» الشماغ للممثل فلان والذي عمره لم يضع (شماغا) على رأسه، ويعدل «طاقية» الطفل الكومبارس «هذاك» ويعدل «شيلة» الممثلة فلانه.. ويعلمها كيف تلبس العباءة السعودية؟!! ويعدل وجهة نظر المخرج حول تصوير مشهد ما حيث لا تمت وجهة نظر المخرج بصلة لا من قريب ولا من بعيد لواقع المجتمع السعودي!! ثم «وش يعدل ووش يخلي؟!» إضافة إلا أن المنتج إياه «شافط» دمه «ومعطيه» على الساعة الدرامية مبلغاً لا يزيد عن الألفي ريال «هذا ان كان من المشاهير وممن يعتبرون من ممثلي الدرجة الأولى» أما إن كان ممثلا «عاديا على قولتهم» فإنه لن يحصل على أكثر من 500 ريال عن الساعة وربما أقل؟!! وفي الغالب فإن الممثل الفنان المبدع ينأى بنفسه عن هذه المهازل وعلى أقل تقدير يطلب أجره الذي يستحق وشروطه على نص العمل وطريقة تنفيذه.. هذا إن لم ينقرض أساسا في الفترة القليلة القادمة ما لم يطرأ تحسن جذري في الموضوع!!.. ولذا نرى أن أغلب من هم متواجدون في الساحة من أنصاف الممثلين!! ما لم يكونوا منتجين؟!! (ولست أدري هل يجب على الفنان السعودي أن يكون منتجاً حتى «يأكل عيش!!!»). أما من خلال الخيار الثاني فإن المنتج (س) يتفق مع إحدى شركات الإنتاج في بلد ما (سواء خليجياً «وعلى الأرجح من البحرين» أو عربياً «من مصر أو من سورية أو من الأردن») على توفير كاست فني متكامل ابتداء من المخرج - وأحيانا يقوم المنتج (س) بتحديده والتعاقد معه «إن لم يكن هو المخرج» - وحتى مواقع التصوير الداخلي في بلد هذه الشركة، إلى عمليات المونتاج والمكساج، ثم يسافر الفنيون من بلدهم الى المملكة لتصوير المشاهد الخارجية وبعض المشاهد الداخلية، وفي المقابل يقوم المنتج (س) بالتعاقد مع الممثلين السعوديين مقابل أجور زهيدة ولك أن تتصور نوعية هكذا ممثلين!! كما أن جميع الممثلات وعددا لا بأس به من الممثلين لن يقل بحال من الأحوال عن 40٪ هم من غير السعوديين، إضافة الى أن غالبية السعوديين المشاركين هم من غير المؤهلين فنياً وثقافيا، كما أن المؤهلين المشاركين قلة ولن يستطيعوا مهما عملوا تحسين الوضع لأن العمل الفني كما أسلفنا في المقالات السابقة عمل جماعي بالدرجة الأولى!! وبالتالي فلن يختلف الحال كثيرا بين المسلك الأول والثاني جوهرياً وإن اختلف شكلياً. وعليه فيجب ألا نندهش (وبحسبة بسيطة) حين نعلم أن متوسط ما تنفقه الوزارة مشكورة تشجيعا ودعماً للإنتاج الدرامي المحلي سنويا يتراوح مابين ال 30 الى ال 40 مليون ريال طيلة السنوات العشرين الماضية وربما أكثر أو أقل بقليل بمقابل لا شيء فنياً وثقافياً واقتصادياً يذكر!! (أقول هذا وكلي حرقة كغيري من الفنانين الذين لم يستطيعوا أن يقدموا ما يصبون اليه بما يملكون من أدوات ويردوا شيئا من الجميل لهذا الوطن البديع المعطاء - وإن كنت أُئَمل على المستقبل الشيء الكثير - «ولكن ليس بيدي حيلة كوني لست منتجاً وليس أمامي الا أن أقبل ما يقدم لي من أعمال أو أردها وأجلس في بيتي» - فهذا ما قاله لي نصاً ذات يوم في القاهرة ونحن نعمل سويا أستاذي الكبير غفر الله له وأدخله فسيح جناته - الدكتور بكر الشدي يرحمه الله وأنا فتىً في التاسعة عشرة من عمري. وأجدني بلا شعور أكرر مقولته)!.