خيم التهديد بضلوع إسلاميين متطرفين بهجوم إرهابي على الحياة العامة في هولندا طوال عام 2005 واستهلك وقتا لمناقشته أمام البرلمان والنظر فيه أمام السلك القضائي وشغل مساحة واسعة من مناقشات وسائل الاعلام وأفسد العلاقات بين السكان الاصليين الذين يشتهرون بالتسامح والاقلية المسلمة. وتسببت محاكمة محمد بويري (27 عاما) وهو مغربي من الجيل الثاني للمهاجرين في تموز (يوليو) الماضي بتهمة قتل المخرج ثيو فان جوخ في إثارة جلبة لاسيما بعد قول المتهم صراحة إنه سوف «يفعل نفس الشيء تماما» إذا اتيحت له الفرصة. وكان فان جوخ قد أثار غضب المسلمين بتصريحاته الواضحة ومن خلال فيلمه القصير «الخضوع» حول تعرض المرأة المسلمة للاضطهاد. وقتله بويري انطلاقا من معتقداته الدينية في وضح النهار في شارع مزدحم في أمستردام في الثاني من تشرين ثان/نوفمبر 2004. وفي تموز (يوليو) اعتقلت الشرطة نور الدين الفاطني وعثرت على مسدس محشو في سيارته. وفي تشرين أول (أكتوبر) شنت الشرطة حملة مداهمات في مختلف أنحاء هولندا شهدت اعتقال سبعة أشخاص يشتبه أنهم متشددون من بينهم سمير عزوز (19 عاما) الذي برأ القضاء ساحته في وقت سابق من تهمة التدبير لتنفيذ هجوم باستخدام قنابل. ومع اقتراب نهاية العام مثل رفاق بويري الذين ينتمون إلى جماعة يطلق عليها اسم «هوفستاد» التي تعني «العاصمة» أمام القضاء بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية والتخطيط لشن هجمات على شخصيات سياسية ومؤسسات عامة. وقبل أسبوع من حلول الكريسماس وزعت صحيفة «مترو» مجانا على المسافرين وهي تحمل في صدر صفحتها الاولى أنباء بأن الحافلات وقطارات الترام أصبحت الان متصلة بنظام لتنبيه السلطات في حالة وجود هجوم. ولكن رغم كل هذا الصخب والضجة لم يرتكب المتشددون المزعومون أي أعمال تثبت وجودهم حيث لم تقع أي حوادث أو انفجارات على متن القطارات أو الطائرات. وفي تشرين ثان (نوفمبر) فشل ممثلو الادعاء في إسقاط حكم ببراءة عزوز حيث قضت إحدى محاكم الاستئناف بأن الشاب المهاجر المغربي الاصل لا يشكل تهديدا حقيقيا على المجتمع. وأعرب المحامون المكلفون بالدفاع عن المشتبه في انتمائهم إلى جماعة هوفستاد عن اعتقادهم بأن القضاء سيتبنى نفس وجهة النظر بشأن موكليهم على أنهم شبان متهورون وحمقى. وتبددت الشكوك في أن العيار الناري الذي أحدث ثقبا في إطار نافذة مكتب وزيرة شؤون الاستيعاب المتشددة ريتا فيردونك ناجم عن هجوم وتبين أنه ربما يكون من عمل شخص طائش. وكان الشعور بالسخط والحدة واضحين على نائبي البرلمان عيان هيرسي علي وجريت فيلدرز اللذين تلقيا تهديدات بالقتل من جماعة هوفستاد بسبب تصريحاتهما العلنية بشأن الفشل المزعوم للمسلمين في قبول عادات وأعراف المجتمع الهولندي. وتقدم فيلدز بطلب في كانون أول (ديسمبر) لحظر ارتداء النقاب على الاماكن العامة. وقوبل هذا التحرك بتأييد أغلبية نواب البرلمان رغم تحفظات الوزيرة فيردونك على السند القانوني لمثل ذلك الحظر بالاضافة إلى أن ارتداء النقاب أمر نادر الحدوث في شوارع هولندا. ومن ناحيتها قالت هيرسي علي التي شاركت في إنتاج فيلم «الخضوع» مع فان جوخ إنها تعكف على إخراج فيلم جديد حول قمع الشواذ في الإسلام وتعمل على إعداد فيلم ثالث في الفترة المقبلة. ولم تبد الجالية المسلمة أي شكوى أو تذمر ردا على ذلك. ظلت النائبة تتصدر صفحات الجرائد وتظهر على شاشات التلفزيون بصفة دائمة تقريبا طوال العام رغم وضعها تحت حراسة خاصة وإقامتها في منزل آمن. لكن معلقين وجدوا سببا للقلق حيال الجالية المسلمة التي يبلغ تعدادها نحو مليون شخص في هولندا. وقالت أنجيس جونروس وهي مسؤولة بارزة بنقابة العمال إن شبان الجيل الثاني من المسلمين يناضلون من أجل البحث عن فرصة عمل وعزت سبب ذلك جزئيا إلى مناخ القلق من الارهاب. وقالت «إذا كان اسمك أجنبيا أو ترتدي حجابا فستجد صعوبة أكبر في العثور على مكان للعمل كمتدرب». وأشار خبراء علم الاجتماع الذين يجرون دراسات على مناطق مثل أمستردام ايست التي تقطنها أغلبية مسلمة وقتل فيها فان جوخ إلى وجود شعور بنوع من العزلة بين مهاجري الجيل الثاني. وقال الخبراء إن هذا الشعور ظهر في التعبير عن رفض اتباع الطرق الغربية والتمسك بعادات إسلامية لم يعد يتبعها العديد من آبائهم. لكن العديد من الافراد لهم رؤية أقل حدة بشأن التوترات داخل المجتمع الهولندي. وسمع رجل في الاربعينات من عمره يدعى ياب «مهتم بمتابعة وسائل الاعلام والصحافة» وهو يتحدث إلى رفيقه خلال رحلة بالقطار من هارلم وأمستردام أثناء تصفح نسختين من صحيفة مترو في تشرين ثان (نوفمبر) الماضي. وكانا يتحدثان عن التكهنات بشأن انتقال أعمال الشغب في فرنسا إلى المدن الهولندية التي يقطنها أعداد كبيرة من المسلمين المنحدرين من جذور مغربية وتركية. وقال ياب «إنني أسكن بجوار هؤلاء الاشخاص وهم أناس عاديون مثلنا».