لعل أهم ما يبرز على الساحة بعد فتنة الإرهاب وما يتعلق به، فتنة المال وما يحيط بها، وقبل أن أبدأ في الموضوع أقول عن المال بالقبول كما هو ديننا فنعم المال الصالح للعبد الصالح إذا اكتسبه من حلال وصرفه في طاعة. ولعلها فتنة دخلت على كل بيت وصارت حديث المجالس بعد أن كان الحديث في الكرة حديث الشباب بالأمس إلى درجة الملل، أصبح الحديث في سوق المال والمكاسب مملاً إلى درجة الخوف من تبعاته على الاقتصاد كله وعلى كثير من تطلعات المستثمرين والتجار والمنتجين بحيث يخاف على تركهم مجالات الإنتاج وبيع مزارعهم ومحلاتهم ومصادر رزقهم تحت اغراء المضاربات فتخسرهم الساحة ويخسرون مقدراتهم التي تعبوا فيها في ساحة رهان الله أعلم من الرابح فيها والخاسر. على أن الموضوع المهم فيما أريد طرحه هو موضوع الفوائد البنكية الربوية التي تلحق المال المعد للاكتتاب الشركات الجديدة، وكذلك الودائع بفوائد ربوية لدى الشركات القائمة وما يتعلق بذلك من تتابع الفتاوى من متخصصين وليسوا مفتين، واستفادة المؤسسين للشركات من مثل هذه الفتاوى لصالحهم. وإنني لأعجب كل العجب من شخص يدخل المحل التجاري ثم يقلب في محتويات بعض الأجبان أو اللحوم المعلبة يبحث في مكوناتها ما هو محرم كشحوم الخنزير أو ما شابه ذلك أو يبحث في مصدرها وهل جاءت من دول لم تقم بذبح الذبيحة وفق الشريعة الإسلامية، أعجب لو رأيته مع أنني لم أر أحداً يقلب في تلك المحتويات أبداً والسبب واضح وهو أن دولتنا ولله الحمد إسلامية حمت أسواقنا من مثل هذه المحرمات وجعلتنا مطمئنين على كل ما في أسواقنا من أجبان ولحوم وغيرها، فكان البحث في المكونات معدوماً بل والفتاوى حول البضائع لا تكاد تذكر، ولا يكاد سؤال واحد يرد حولها وهذا من فضل ربي على بلادنا ومجتمعنا. أليس الاقتصاد أحق بالاهتمام؟ ألا يمكن للجهات المسؤولة استصدار قرار يحمل الشركات ومؤسسيها ومجالس الإدارة فيها مسؤولية مخالفة الأنظمة ومخالفة رغبات الأعضاء والمضاربين في الأسهم صغاراً وكباراً ويمنع تماماً عمليات دخول القروض الربوية المحرمة التي جعلت الشركات في سوق المال تصنف على أساس هذه القروض إلى محرمة ومشبوهة ونقية؟ ثم ألا يمكن أن تكون مثل هذه الفوائد الربوية تحصل من قبل مؤسسين ومجالس إدارة يتعمدون هبوط أسهمها ومن ثم نقلها من المحرمة إلى النقية فترتفع أسهمها وهذا فيه مخالفات صريحة وواضحة لهذا الشعب المسلم التقي ونظامه. إن الجميع يحلم باليوم الذي تختفي فيه تماماً الفتاوى حول الشركات وتأسيسها والاكتتاب فيها بكونها حلالاً أو حراماً أو مشبوهة وذلك بمنع ما يجعلها في طريق مشبوه، فإذا كان لا بد من إيداع المبالغ في بنوك ربوية قبل تأسيس الشركات والاكتتاب فيها فلتكن فوائدها الربوية خاصة بالمؤسسين لا تدخل ضمن الشركة ولا يعتمد عليها في حسابات الشركة من حيث الأرباح والخسائر. ولا شك أن للمختصين في الشريعة والاقتصاد طرقاً سليمة صحيحة حول الشركات وجعلها لا تدخل ميدان الجدل الدائم، الجدل الذي تعودناه مع أول اكتتاب ولا ينتهي إلا في آخره، ولنكن في أنظمتنا حول ذلك أكثر شفافية ووضوحاً من التعمية التي صنفت الشركات التي يقوم عليها سعوديون مسلمون إلى شركات حلال وشركات حرام وبينهما مشبوه.