لعله من اليمن ان يتزامن صدور أعلى ميزانية في تاريخ المملكة مع بداية عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، مما سيساعد إن شاء الله على ترجمة الطموحات والبرامج الاصلاحية والتنموية المختلفة إلى واقع يلمسة المواطن وينعكس على حياته بصورة خدمات أفضل تقدم إليه. ولقد روعي في توزيع موارد ميزانية 1426- 1427ه والفائض المتحقق والمتوقع تحقيق نوع من التوازن بين ثلاثة مجالات رئيسية هي: 1- الخدمات العامة التي تمس المواطن وحياته بشكل مباشر مثل الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية والخدمات البلدية. 2- الانفاق الاستثماري للتوسع في مشاريع البيئة التحتية الأساسية. 3- سداد جزء من الدين العام، والوصول به إلى المستويات المقبولة اقتصادياً. ولا شك ان الصرف على هذه المجالات جميعاً يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني، ويؤدي إلى تحقيق نقلة كبيرة في جميع الأنشطة الاقتصادية، وزيادة معدلات النمو وإيجاد فرص عمل ووظائف جديدة للمواطنين وتشجيع الاستثمارات المحلية والخارجية. ويتزامن مع هذه الزيادة غير المسبوقة في إيرادات ومصروفات الميزانية، نمو غير مسبوق في الاقتصاد الوطني ككل، حيث وصل الناتج المحلي الإجمالي للعام المالي 1425- 1426ه ولأول مرة إلى (1152,6) ألف ومائة واثنين وخمسين ملياراً وستمائة مليون ريال محققاً بذلك نمواً قدره 22,7٪ بالأسعار الجارية ونمواً قدره 6,5٪ بالأسعار الثابتة. وارتفعت فعالية القطاع الخاص ودوره في الاقتصاد الوطني حيث بلغت نسبة مساهمته في الناتج المحلي للعام 1426- 1426ه حوالي 44٪ بالأسعار الثابتة، وقد شمل هذا النمو جميع الأنشطة الاقتصادية لهذا القطاع. غير أننا في غمرة الانتشاء بهذه الميزانية والفوائض الكبيرة المتحققة والمتوقعة يجب ألاّ ننسى حقيقة ان جانباً كبيراً ومهماً من هذه الزيادة يعود إلى ارتفاع عائدات البترول، حيث بلغت أسعار البترول الخام - الذي تعتبر المملكة أكبر منتج ومصدر له - هذا العام أرقاماً قياسية غير مسبوقة.ومع ان التوقعات تشير إلى ان أسعار البترول الخام ستبقى عالية خلال العامين القادمين على الأقل وان سعر البرميل لن يقل عن خمسين دولاراً، إلاّ ان جهود الحكومة والمجتمع على حد سواء لابد ان تركز على استمرار العمل الدؤوب لتحقيق طموحاتنا بتنويع مصادر وموارد الوطن الاقتصادية تجنباً لمخاطر انهيار أسعار البترول في الأسواق العالمية والذي يمكن ان يحدث في أي وقت. فمازلنا نعاني من عبء الدين العام الذي تراكم نتيجة العجز في ميزانية الدولة لعقدين من السنين قبل عام 1423- 1424ه وذلك نتيجة لانهيار أسعار البترول الذي أعقب الطفرة الأولى التي شهدتها المملكة آنذاك. هذا الدين تجاوز عام 1422- 1423ه مجموع الناتج المحلي الإجمالي، بكل ما يحمله ذلك من آثاراً سلبية كبيرة على الاقتصاد الوطني. صحيح أننا نجحنا بحمد الله بتخفيض هذا الدين ليصل إلى (475) مليار ريالاً مع نهاية هذا العام لتصبح نسبته إلى الناتج المحلي حوالي 42٪ فقط، إلاّ أنه مازال عبئاً كبيراً على مواردنا المالية ويجب علينا عدم منح أية فرصة لتكرار ذلك مستقبلاً. أخشى ما أخشاه ان تؤدي الوفرة والطفرة والتي نعيشها حالياً إلى تراخي وتيرة الاصلاحات التي بدأتها الدولة عندما كانت الإيرادات شحيحة والسنين عجاف.. ما نحتاج إليه هو زيادة وتيرة الاصلاحات الاقتصادية والإدارية وتوسيعها للمساهمة في تفعيل مكونات الاقتصاد وتنويعه وزيادة معدلات نموه. هذا الارتفاع الكبير في المصروفات المخصصة لمشاريع التنمية المختلفة والخدمات العامة والاستعجال في تنفيذها قد يغري البعض بالتركيز على الكم على حساب الكيف، ودون ان يأخذ بالاعتبار مقتضيات الدقة والموضوعية والشفافية والمسألة، وهنا تكمن الخطورة. يجب ان تساهم المشاريع الصحية التي تضمنتها الميزانية في تحسين الرعاية الصحية بشكل يلمسه المواطن ويقلل من معاناته، وان توجه المصروفات المخصصة للتعليم والتدريب نحو إعداد الكوادر الوطنية المؤهلة المزودة بالمعارف والمهارات التي يتطلبها سوق العمل مساهمة في علاج مشكلة البطالة وتحقيقاً للمواءمة المنشودة بين مخرجات مؤسسات التعليم والتدريب ومتطلبات سوق العمل. ولعل من أولى الأولويات التي نطالب بها جميعاً ترشيد مصروفات الميزانية المخصصة لكل جهة وجهاز حكومي بالشكل الذي نطمئن معه أفراداً ومجتمعاً بتحقيق الكفاءة والفاعلية في البرامج والخدمات التي تقدمها الأجهزة الحكومية للمواطنين والمقيمين في هذا الوطن المعطاء. ٭ عضو مجلس الشورى رئيس لجنة الأنظمة والإدارة والعرائض