إن تفرد الولاياتالمتحدةالأمريكية بالقوة العالمية خصوصاً بعد النجاح الهائل بالحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق، والقوة العالمية الواحدة للولايات المتحدةالأمريكية على المستوى العسكري والقدرات القتالية ونقل المعدات إلى أي مكان في العالم، والتواجد العسكري الكبير في مناطق متعددة من العالم أعطى لها قوة سياسية كان مصدرها استباقيتها التكنولوجية. حيث إن أكثر مخترعات هذا العصر من حيث الاتصال والمواصلات وتقدمها في هذه المجالات على غيرها من الدول في مجال المعلومات والاتصالات والنقل، جعلها تستثمر هذه القدرات قبل غيرها وتستطيع تحويل هذه الإمكانات إلى قوة حقيقية قادرة على بسط النفوذ وإملاء الرغبات السياسية على الدول الأخرى. ومنذ نهاية الحرب الباردة وأحداث الحادي عشر من سبتمبر دفع العديد من السياسيين والمحللين السياسيين داخل الإدارة الأمريكية وخارجها إلى بناء وتنمية مفهوم الضربة الاستباقية من أجل استثمار هذه القوة الأمريكية الهائلة والضاربة لأهداف وأغراض سياسية تصب بمصلحة الولاياتالمتحدةالأمريكية، ورغم خطورة هذا المنهج السياسي إلا أنها غير قادرة على تعميمه على العديد من المناطق في العالم خصوصاً أن مفهوم الضربة الاستباقية يتطلب شروطا رئيسية.. أهمها: 1- ضعف الطرف المقابل بحيث يستطيع هذا المنهج أن يشتمل على الدول الضعيفة والمناطق التي تعاني من التفكك والتشرذم السياسي. ومفهوم الضربة الاستباقية لا يمكن تطبيقها على دول قادرة على رد الفعل والمقاومة المؤقتة، سواء على المستوى السياسي أو العسكري أو الاقتصادي، ولذلك فإن المناطق الطبيعية لتطبيق الضربة الاستباقية هي العالم العربي، أفريقيا وآسيا الوسطى ومحيط شبه القارة الهندية وجزء كبير من أمريكا اللاتينية وأمريكا الوسطى، كل هذه المناطق تعاني بشكل حقيقي من التقسيم والتشرذم الداخلي ووهن البيئة السياسية الداخلية وخلل حقيقي في البناء السياسي. 2- يمكن تطبيق مفهوم الضربة الاستباقية تجاه الدول والمناطق التي تعاني من الاختراق السياسي والاقتصادي الخارجي، أي أن مفهوم الضربة الاستباقية يتطلب قدرة الولاياتالمتحدةالأمريكية على إيذاء هذه الدول من الداخل على مستوى السياسة الداخلية لهذه الدول، وعلى مستوى اختراق هذه الدول وضرب كل واحدة بالأخرى أي أن المنهجية وبالضربة الاستباقية تتطلب نظاما إقليميا مخترقا وقابلا لضرب بعضه ببعض من أجل أن تؤدي الضربة الاستباقية أهدافها وفي بيئتها السياسية والعسكرية بحيث أن تكون الضربة الاستباقية قابلة للتطبيق وقابلة للاحتواء بعد التطبيق. 3- إن تنفيذ الضربة الاستباقية تتطلب كذلك تواجدا عسكريا من الدولة المضيفة للضربة الاستباقية في المناطق التي سوف ينفذ فيه الضربة الاستباقية من أجل احتواء ردود الفعل المحتملة بعد الضربة الاستباقية وهذا ما ينطبق على العالم العربي بشكل كبير. إن انعكاس مفهوم الضربة الاستباقية على السياسة الأمريكية وعلى العالم العربي له الأثر الهائل على سير الأحداث السياسية في المنطقة العربية ومنها: أولاً: إن مفهوم الضربة الاستباقية تعطي الولاياتالمتحدةالأمريكية الحرية الكاملة والمطلقة في اختيار الأهداف وتحديدها وتحديد نوع وحجم الضربة المطلوبة من حيث هل هو هدف عسكري أم هدف سياسي أم هدف اقتصادي، وبالتالي فإن مفهوم الضربة الاستباقية تعطي الولاياتالمتحدةالأمريكية حزمة كبيرة من الخيارات لتحديد الهدف والشروع في تنفيذه بشكل غير مباشر وسريع ودون تأخير. ثانياً: إن مفهوم الضربة الاستباقية سوف يعطي الولاياتالمتحدةالأمريكية الخيار الكبير لتحديد مناطق وخلق مناطق توتر عند الطلب، وعند اللزوم، وبالتالي فإن مفهوم الضربة الاستباقية تعطي السياسي الأمريكي خيارات متعددة لخلق مناطق وبؤر توتر جديدة عند الطلب، وتحت الطلب، تحت مفهوم الضربة الاستباقية، وبالتالي تستطيع الولاياتالمتحدةالأمريكية تحت هذا المفهوم إيجاد بؤر توتر وخلجان من الحروب تحت الطلب، بل ونتيجة للتفكك الإقليمي فإنها قادرة على خلق حروب إقليمية، وتوترات إقليمية بالحجم والمكان والزمان المطلوب، وبالتالي فإن مفهوم الضربة الاستباقية يعطي حرية كبيرة لمتخذ القرار داخل البيت الأبيض، أو البنتاغون، أو الاستخبارات بشكل كبير وهائل. ثالثاً: إن مفهوم الضربة الاستباقية كذلك تعطي السياسة الأمريكية مزيدا من الحرية الكبيرة بالتصرف السياسي والعسكري، من حيث إدخال أهداف متعددة بعيدة من الهدف الإرهابي المباشر وتضيفه تحت مفهوم الخطر القادم، أي يمكن للسياسة الأمريكية أن تضرب العديد من المنشآت العسكرية تحت مفهوم الضربة الاستباقية، بل وتستطيع ضرب العديد من المنشآت الاقتصادية والتنموية والإنشائية تحت هذا المفهوم، كما حدث للعديد من الدول في أفريقيا والشرق الأوسط، وكذلك يمكن ضرب حتى الجامعات تحت مظلة الضربة الاستباقية كما حدث لجامعات العراق في المرحلة السابقة. إن أثر مفهوم الضربة الاستباقية إذا ما طور في السياسة الخارجية الأمريكية، سوف يكون كبيرا وهائلا وخصوصاً أثره على الشرق الأوسط والعالم العربي بشكل خاص، حيث سوف يكون هذا المفهوم السياسي، وهذه العقيدة العسكرية، والمبررات تلو الأخرى من أجل ضبط الإيقاع السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي لدول العالم العربي، بل وإن مفهوم الضربة الاستباقية قادرة على خلق توترات وبؤر نزاع وحروب عند الطلب، وتحت الطلب، وعند الحاجة، ولذلك فإن مفهوم الضربة الاستباقية هي من المفاهيم التي يجب الوقوف بوجهها ويجب إثبات عبر النتائج أنها غير قابلة للنجاح، وأن الحرب يمكن أن تبدأ ولكن لا يمكن أن تتوقف، وأن النزاع يمكن البدء به ولكن لا يمكن إنهاؤه، ولذلك يجب أن يعمل على إفشال الضربات الاستباقية، بل والتأكد من فشل كل واحدة منها. إن فلسفة الضربة الاستباقية سوف تجعل من متخذ القرار مهما كان حجمه في الإدارة الأمريكية لاعبا أساسيا وهاما في السياسة اليومية للشرق الأوسط، وسوف تدخل الشرق الأوسط في نفق من المفاجآت السياسية والعسكرية غير المحسوبة وغير المنضبطة.