هناك نسيج خطير يربط ما بين الأحداث التي تقع في باكستان وما حولها اليوم، وإذا لم نستطع أن نرى الصورة الأكبر، فسوف تدهمنا العاصفة وسوف يتمكن حينئذٍ خصماؤنا، مثل الولاياتالمتحدة، من تحقيق أجندتهم بشأن الدولة الباكستانية النووية. إن جذور الأجندة الأمريكية ترجع إلى حقبة مشرف وتسرعه في تبني ومباركة الحرب الأمريكية على الإرهاب، فما لم يستطع إدراكه في ذلك الوقت هو مقدار الجرح النفسي الذي تعرضت له الولاياتالمتحدة كنتيجة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، مما قاد إلى ترسيخ الرؤية الأمريكية التي كانت ملطخة بالأساس بشأن العالم الإسلامي. وقد اختار الكثير من قادة العالم الإسلامي خيار التحالف مع الولاياتالمتحدة، ولكن الزعماء القوميين لم يشعر تجاههم الأمريكيون بشيء من الارتياح، فضلاً عن الدول القوية عسكريًا واقتصاديًا، ماليزيا، بالإضافة إلى إيران الثورية وباكستان النووية، وكلها دول تحمل وسائل إزعاج بطريقة أو بأخرى للولايات المتحدة. لذا عندما وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وبالرغم من أن مرتكبيها كانوا من غير باكستان، إلا أن إسلام آباد أصبحت في قلب العاصفة ورأت الولاياتالمتحدة أن تلك فرصة سانحة لتقزيم الدولة الباكستانية وفي النهاية تسيطر على أصولها النووية. إذن ما تلك الأجندة الأمريكية التي تنذر بالشؤم على باكستان؟ فصّل مقال نشر في دورية الجيش الأمريكي بعنوان «الحدود الدامية» الخطوط العريضة لتلك الأجندة، والتي تتلخص أهم مكوناتها في التالي: الأول: إعادة هيكلة باكستان ومؤسساتها طبقًا للرغبات الأمريكية، الثاني: السيطرة على أصولها النووية لأنها لا يمكن «اقتلاعها» من الناحية الواقعية، وثالثًا: إجبار الدولة الباكستانية على قبول الهيمنة الهندية في المنطقة وإبعادها عن شراكتها الاستراتيجية مع الصين. والسؤال التالي هو: ما هي الاستراتيجية لتطبيق تلك الأجندة؟ والإجابة على ذلك هو خلق قدر كبير من الفوضى والعنف في باكستان، لكي تكون قادرة على تبرير دخولها في المنطقة وإحكام السيطرة على الأصول النووية، وإعادة هيكلة نموذج جديد للدولة في باكستان، والذي يتضمن وضعها تحت السيطرة الهندية. والسؤال التالي هو: كيف يمكن تطبيق تلك الاستراتيجية؟ أولاً: عن طريق تحويل بؤرة الحرب في المنطقة من أفغانستان إلى باكستان، وهذا يمكن تحقيقه عن طريق عدد من التكتيكات؛ فالبداية كانت السماح للقاعدة ولطالبان بالهروب من أفغانستان أثناء قصف تورا بورا، ثم بعد ذلك كانت الخطوة التالية هي إحداث قلاقل داخلية في باكستان والتي تبدأ عن طريق هجمات الطائرات المسيرة، والتي أدت إلى أن تتحول القبائل التقليدية الباكستانية التي لديها شعور عالي بالوطنية ضد الدولة، وبخاصة عندما أقنعت الولاياتالمتحدة الجيش بالتحرك ضد تلك المناطق. كما أطلقت الولاياتالمتحدة يد الهند في أفغانستان لكي تتدفق الأموال والسلاح من أفغانستان إلى بلوشستان ومنطقة القبائل بالإضافة إلى المحافظات الحدودية في شمال غرب البلاد. وبالإضافة إلى ذلك ظهر كيان جديد بأجندته العنيفة الخاصة به، وهي حركة طالبان الباكستانية، والتي لديها مخزون هائل من الأسلحة والتي أتت به عبر الحدود من أفغانستان حيث إن معظم تلك الأسلحة أتى من مصادر أمريكية. وفي الوقت ذاته تقوم الولاياتالمتحدة بزيادة وجودها السري في باكستان، والذي بدأ من قاعدة تاربيلا الجوية الباكستانية بمساعدة الأفراد الذين يزعم أنهم مدربون عسكريون أمريكيون، بالإضافة إلى الشركات الأمنية الأمريكية الخاصة التي عملت كمرتزقة لصالح الحكومة الأمريكية في مناطق مثل العراق. كما أن بلوشستان ذاتها شهدت زيادة في الوجود الأمريكي هناك، وبخاصة عندما أرادت الولاياتالمتحدة إدارة عملياتها السرية ضد إيران عبر تلك المقاطعة. كما أن هناك أيضًا القاعدة الجوية في بندري في المنطقة التي تقع على بعد 78 كيلومترًا جنوب خاران بالقرب من المنطقة المسماة شيمسي، وليست قاعدة شمسي والتي تقع على الحدود مع إيران بالقرب من دالباندين، ومن تلك المناطق كانت تقلع الطائرات المسيرة الأمريكية بصورة مستمرة. وطوال الوقت كانت الولاياتالمتحدة على المستويات الدبلوماسية والسياسية مستمرة في خطاباتها اللاذعة ضد باكستان لتقويض سمعة ومصداقية جيشها فيما يتعلق بنواياها تجاه مكافحة المتطرفين والإرهابيين. وقد تعرضت الاستخبارات الباكستانية إلى الهجوم بصفة خاصة من وسائل الإعلام الأمريكية، في حين كانت الأصول النووية هي الأهداف الأخرى للحملات الإعلامية الأمريكية. ومع زيادة تورط الولاياتالمتحدة في أفغانستان رغبت واشنطن في تحويل فشلها إلى باكستان، ويفترض الكثير من الخبراء أن هذا هو سبب انتقال الحرب الأمريكية من أفغانستان إلى باكستان. ولكن هذا يمكن أن يكون جزءًا من لعبة إقليمية أكبر تخطط لزعزعة استقرار باكستان من الداخل بنقل الحرب إلى قلب البلاد، وهو الموقف الراهن الذي تتعرض له باكستان اليوم. وقد بدأت المرحلة الثانية من تطبيق استراتيجية الولاياتالمتحدة ، وهي مرحلة زعزعة استقرار باكستان من الداخل عن طريق زيادة أعمال الإرهاب التي تشن داخل المدن الباكستانية من خلال جماعات عالية التدريب والتجهيز تعتمد على حركة طالبان الباكستانية، والتي لم يرد ذكرها في مشروع قانون كيري لوجار بشأن باكستان. وبالإضافة إلى ذلك فإن الجيش أنهك في العمليات العسكرية، في البداية في وادي سوات وفي جنوب وزيرستان والتي بها مشاكلها الخاصة بها فيما يتعلق بالإرهاب وفي تهجير السكان المحليين. كما أصبح من الضروري أيضًا عزل باكستان عن محيطها وجوارها وبالتالي تم شن هجمات إرهابية مكثفة على القوات الأمنية الإيرانية في محافظة سيستان المتاخمة لإقليم بلوشستان الباكستاني، وذلك بهدف تدمير العلاقات الباكستانيةالإيرانية، حيث كانت الحدود الإيرانية هي الحدود الصديقة الوحيدة غير الحدود مع الصين. إن الوجود السري للولايات المتحدة في باكستان أصبح الآن مثل الشبكة التي تبدأ من إقليمي السند وبلوشستان في الجنوب والجنوب الغربي إلى البنجاب إلى العاصمة إسلام آباد إلى بيشاور، وأصبح الآن هناك عملاء سريون أمريكيون إلى جانب قوات المارينز التي تعمل في العلن والتي تحيط الباكستانيين بترسانتهم النووية. إن قانون كيري لوجار ببساطة يعطي اعترافًا رسميًا لما كان يحدث عمليًا على الأرض، وهو خضوع باكستان للإملاءات الأمريكية. أما المرحلة المتبقية والأخيرة على أجندة الولاياتالمتحدة فلم تخرج إلى حيز التنفيذ بعد، ولكنها سوف تكون الأصعب على الإطلاق. وتلك المرحلة تهدف إلى دفع باكستان إلى وضع شبيه بالحرب الأهلية عن طريق التهديد باستهداف كويتا وإقليم البنجاب الجنوبي بالإضافة إلى موريدك، لذا فإن الإفراط في انتشار الجيش وخلق توترات وتصدعات بين الجيش والمدنيين سوف يؤديان في النهاية إلى تصدع البلاد وزعزعة استقرارها. وعندما تصبح باكستان في حالة فوضى عارمة فإن الولاياتالمتحدة تستطيع حينئذٍ أن تضغط على مجلس الأمن الدولي ليسمح للولايات المتحدة بالسيطرة على الأصول النووية الباكستانية، ضمن إطار مصطلح «تحت الرعاية الدولية». ولكن المشكلة الكبرى الآن هو أن الكثيرين من داخل أروقة السلطة بباكستان بدأوا في رؤية النور، بينما استيقظ الشعب أيضًا على تلك الأجندة الأمريكية القاتلة لباكستان. فإذا لم تستطع باكستان أن ترى كامل اللعبة الأمريكية وتقوم بتوصيل كافة النقاط، سوف تستمر باكستان في الوقوع فريسة لتلك الخطة الأمريكية المدمرة.