من المسلم بحقيقته ان المملكة تمثل الثقل السكاني في دول مجلس التعاون الخليجي حيث يبلغ تمدادها من اجمالي سكان هذا التكتل الاقليمي ما نسبته 70%، الا ان سكان المملكة ينتشرون على مساحة شاسعة تتجاوز 2مليون كم2، بمعدل كثافة سكانية لا تتعدى 10اشخاص/كم2، بينما تزداد كثافة التوزيع السكاني على طول الشريط الممتد من الكويت الى عمان لتصل الى 600شخص/كم 2كما هو الحال في دولة البحرين على سبيل المثال، ولهذا التفاوت في توزيع الكثافة السكانية اثره على الفارق في مقدار الانفاق على اوجه التنمية المتعددة بين المملكة وبقية دول المجلس باستثناء عمان، كما ان اجمالي الناتج المحلي للمملكة بالرغم من مقداره المرتفع نسبياً والذي يصل الى اكثر من 700بليون ريال، لا يمثل في الواقع سوى 65% من اجمالي الناتج المحلي لكافة دول المجلس، وحين يعبر عن ذلك بنصيب الفرد من ذلك الناتج نجده لا يتجاوز 30ألف ريال للفرد من سكان المملكة، بينما يصل الى ثلاثة اضعاف هذا الرقم في دولة الامارات العربية المتحدة، التي تلي المملكة مباشرة في اجمالي ناتجها المحلي، اي بما مقداره 90ألف ريال للفرد من اجمالي الناتج المحلي لهذه الدولة. وحين ننظر للتركيبة السكانية في دول المجلس نجد ان المواطنين يمثلون 64% من السكان بشكل عام في كافة هذه الدول، لكن هذه النسبة تقل في المملكة بحيث لا تتعدى 30% بينما تزيد لتمثل حوالي 80% في دولة مثل الامارات العربية المتحدة، وبالتالي تشكل العمالة الوافدة عبئاً على اقتصاديات تلك الدول عبر رفع نسبة البطالة بين المواطنين لتصل لأكثر من 17% في بعض دول المجلس، ومن خلال تحويلات العمالة الوافدة التي تبلغ 40% من التسربات النقدية من كافة دول المجلس، وتصل سنوياً لأكثر من 150ألف مليون ريال. ان هؤلاء السكان الذين يمثل ابناء المملكة حوالي الثلثين منهم، والذين غالبيتهم من الشباب الذين يبلغ متوسط اعمارهم عشرين عاماً، هم في الواقع أيد عاملة منتجة اذا احسن توجيهها وقوة شرائية هائلة لو نالت نصيبها من عائد انتاجها، لذا فإنه على الرغم مما انجز من خطوات لتحقيق المواطنة الاقتصادية بين دول المجلس بفتح المجال امام أبنائها بممارسة عدد من الانشطة الاقتصادية في الدول الأعضاء بشروط محددة، واتباع سياسة احلال المواطن محل الوافد في كل دولة من الدول الست الاعضاء في المجلس، ظلت تلك الخطوات والسياسات لم تصل لأهدافها. لذا بات لزاماً على واضعي سياسات واستراتيجيات التكامل بين دول المجلس ان يعيدوا النظر في ذلك، وان يبحثوا عن الأسباب والعوائق التي تقف امام الوصول للمواطنة الاقتصادية الكاملة لأبناء دول المجلس، ففي تحقيق ذلك ما يؤدي الى جعل المنطقة التي تمثلها دول الخليج سوقاً قادرة على استيعاب المنتجات المحلية، ويفضي الى نمو وازدهار اقتصادياتها التي ما زال البعض من تلك الدول يعتمد على مورد واحد منها هو البترول، واذا لم يستطع اولئك استيعاب هذا التنامي السكاني في بعض دول المجلس وبالذات من سكان المملكة وتوظيفه لصالح اقتصاديات هذا التجمع الاقليمي، فإن المجلس سيواجه واقعاً آخر اخذت تتضح ملامحه تدريجياً، الا وهو النمو السكاني لدولة جارة هي اليمن التي يمكن اعتبارها مارداً سكانياً قادماً، يبلغ معدله السنوي حالياً 5،3%، وهو معدل نمو مرتفع سيوصل هذا الجار لأن يبلغ تعداده اكثر من 84مليون نسمة عام 2050م، لا سيما وان هذه الدولة تخطو نحو الانضمام لعضوية هذا المجلس.