حين تسأل أحدنا عن الجريدة الرسمية للمملكة العربية السعودية، فربما لا يعرف إنها أم القرى، وله الحق في ذلك فالجريدة لا تظهر في الأسواق وتُوزع بشكل خاص ناهيك عن صبغتها التي اتسمت بطابع حكومي بحت، وشكلها الذي يضاهي شكل نشرة يومية أو أسبوعية، فلا طباعة تليق باسم الجريدة أو مكانتها، ولا مادة صحفية تستحق النظر إليها فالجريدة قد قصرت أنشطتها على الأخبار الحكومية والإعلان والمناقصات وما شابه ذلك فقط. ويوم الثلاثاء الماضي شرّف وزير الثقافة والإعلام الأستاذ إياد مدني حفل مرور ثمانين عاماً على صدور عدد أم القرى الأول وذلك في إطار احتفالات أم القرى باختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية، والصحيفة حملت اسم «أم القرى» فمن حقها أن تشارك في مثل هذه التظاهرة الكبيرة. وفي ذلك اليوم تحدث معالي الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز الدكتور فهد السماري الذي شكر للوزير حضوره وتكريمه لبعض العاملين في صحيفة أم القرى، وتحدث بإسهاب عن الصحيفة، ثم ألقى الدكتور منصور الحازمي كلمة المشاركين، وبعد ذلك كان مدير تحرير صحيفة أم القرى الأستاذ أحمد عبدالعزيز الغامدي شجاعاً حين وصف حال صحيفته العجوز التي وصلت من العمر اثنين وثمانين عاماً بالتمام والكمال، وتمنى على الوزير أن ينظر في حالها ومآلها، ليكون الوزير شجاعاً حين تحدث بعد ذلك في كلمته التي ألقاها معترفاً بتقصير وزارة الثقافة والإعلام تجاه صحيفة المملكة الأولى، وقال في مجمل ما قال تمنيت لو حضر رؤساء التحرير عندنا هذه المناسبة، فلم أر أحدهم، وكان الوزير يعاتبهم في الواقع، ووعد الحضور بأن الجريدة ستشهد قفزات متلاحقة في الطباعة وفي النشر والتوزيع ليس في الأشهر القادمة ولكن في قابل الأيام والكلام للوزير. ليغادر الوزير بعد أن أعلن بدء فعاليات الندوة المصاحبة لهذه المناسبة. ولتبدأ الندوات التي كان عددها خمس جلسات صباحية ومسائية يوم الأربعاء، الجلسة الأولى رئيسها الأستاذ عبدالمقصود خوخة وشارك فيها أ. د. منصور الحازمي ببحث يوسف ياسين أول رئيس تحرير لصحيفة أم القرى، والأستاذ عبدالرحمن نامي المطيري وكان بحثه قراءة في تطور صحيفة أم القرى تاريخياً، والأستاذ محمد بن عبدالرزاق القشعمي وتحدث بحثه عن رؤساء تحرير أم القرى في الفترة من 1343ه إلى 1383ه د. محمود زين بن حسن زيني وكان عنوان بحثه الرؤية المستقبلية لصحيفة أم القرى. الجلسة الثانية وأدار دفة الحوار فيها الدكتور عبدالله بن محمد آل تويم، حفلت أيضاً بخمسة بحوث هي بحث الدكتور عبدالرحمن الشبيلي: شؤون الإعلام في صحيفة أم القرى في عقودها المبكرة، وبحث الدكتور أشرف مؤنس: صحيفة أم القرى مصدر للتاريخ السعودي، دراسة في العلاقات الخارجية في عهد الملك عبدالعزيز، وبحث الدكتور سليمان العقيل: بعض مظاهر الحياة الاجتماعية في عهد الملك عبدالعزيز: تحليل مضمون صحيفة أم القرى في الفترة 1343 - 1373ه وبحث الدكتور ناصر الحارثي: إسهام صحيفة أم القرى في إبراز جهود الملك عبدالعزيز المعمارية في منطقة مكةالمكرمة. الجلسة الثالثة ورأسها الدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيع وشارك فيها الدكتور حسن الهويمل بعنوان «مدائح الملك عبدالعزيز الشعرية في صحيفة أم القرى»، والدكتور علي بن جبرير الدومري بعنوان «المادة الأدبية في صحيفة أم القرى خلال الحرب العالمية الثانية»، والدكتور غنيم بن غانم الينبعاوي ببحث «إسهامات صحيفة أم القرى في الحركة اللغوية في عهد الملك عبدالعزيز»، والدكتورة أميرة زبير رفاعي سمبس ببحث «الظواهر اللغوية في صحيفة أم القرى في ضوء إسهامها الإعلامي والإداري». الجلسة الرابعة وكان مدير الحوار فيها الدكتور أبوبكر باقادر، وشارك فيها الدكتور سعيد بن عطية أبو عالي ببحث «جهود الملك عبدالعزيز في نشر التعليم: قراءة في صحيفة أم القرى»، والدكتور يوسف الثقفي ب «نشأة صحيفة أم القرى»، والدكتور عبدالعزيز النهاري ب «صحيفة أم القرى المستقبل الممكن». الجلسة الخامسة والأخيرة وأدار هذه الجلسة الدكتور ضيف الله بن يحيى الزهراني، وشارك فيها الدكتور عبدالله العسكر ببحث «صحيفة أم القرى والمواد التاريخية»، الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميد ببحث «يوسف ياسين وتأسيس صحيفة أم القرى»، والأستاذة لطيفة بنت مطلق العدواني ببحث «الطائف في صحيفة أم القرى» ويعتبر من أجمل البحوث التي ألقيت، والأستاذ خالد بن فراج الداموك ببحث «علاقة المركز الوطني للوثائق والمحفوظات بصحيفة أم القرى». وكانت البحوث المقدمة في مجملها تتحدث عن الجوانب التاريخية والمعلوماتية، وجزء منها تحدث عن الجوانب الأدبية في الصحيفة بالرغم من أن الصحيفة كانت في البداية رائدة في النشر الأدبي. وكانت بعض البحوث على رأي المتابعين للندوة شكلية لا ترقى لمستوِى المشاركة، فهذا الأستاذ زيد الفضيل باحث تاريخي معروف يدلي برأيه ل (ثقافة «الرياض») بعد أن تابع الجلسات الخمس كاملة ليقول عن بحث الدكتور الحازمي أن مفهوم الحجاز لغة واصطلاحاً كان مهماً إيراده وتحديده في هذا البحث، واعتبر أن سيرة محمد عبدالرزاق القشعمي الذاتية هي تسجيل رائع وجميل لملامح الحركة العلمية في نجد وهو ما أصبح يعكسه حالياً في مختلف كتاباته الرائعة جداً، وحمل الفضيل على بحث الدكتور محمود زيني ليعتبره شكلانياً ليس إلا فهو يتحدث عن رؤية زيني المستقبلية للصحيفة من تغيير ورق واهتمام بألوان، وترتيب إعلانات ويقول الفضيل كنت أتصور أن الورقة ستتحدث عن الدور المستقبلي للجريدة في ظل التوجهات العالمية التي تطمح المملكة للوصول إليها، ويعتبر الفضيل بحث الدكتور ناصر الحارثي لا يختلف كثيراً عن بحث زيني، فهو بحث متواضع نقل فيه الباحث جهود الملك عبدالعزيز المعمارية في منطقة مكةالمكرمة وتمنى الفضيل لو حلل الدكتور هذا الجانب لا وقف عليه ونقله نقلاً صحفياً فقط. وتساءل الفضيل في معرض متابعته للجلسة الثانية وتمنى لو عرف حجم التوزيع للجريدة داخل مكة والمدن المحيطة، ونوعية الشريحة التي كانت تهتم بها وحجم تلك الشريحة، وهل كانت أم القرى قد دخلت في صراع مع صحف أخرى في ذلك الوقت سواء كانت محلية أو عربية وهل كانت تعبر عن خط ثقافي أو سياسي معين. واعتبر الفضيل بحث الدكتور عبدالرحمن الشبيلي بحثاً وصفياً ويفتقر إلى الأفكار وتحليل المضمون وتمنى على الدكتور الشبيلي أن يأتي بمثل من أمثلة المغالطات السياسية التي كانت أم القرى تتصدى لها حتى نعرف النسق العام للخطاب السياسي في تلك الفترة، وكذلك قال ماهية المطبعة التي أشار إليها الدكتور الشبيلي هل هي مطبعة جديدة أم هي نفسها المطبعة العثمانية. وفي الحقيقة، كانت البحوث في مجملها تتحدث عن أم القرى الصحيفة شكلاً ومضموناً وكتابة وتاريخاً، لكن هذه البحوث لم تتصد إلى إجابات الأسئلة الكبرى التي كنا نريد أن نلقى إجابة عليها من خلال هذه الندوة، ومن مثل ذلك ما هي الأسباب الحقيقية لنشأة هذه الصحيفة، ولماذا بقيت تنشر دون ذكر أسماء محرريها وكُتَّابها لفترة طويلة، ولماذا اقتصرت على أخبار الدولة الرسمية نشراً وإعلاناً فقط وأغفلت بقية الجوانب بالرغم من أنها كانت رائدة في مجالات متعددة حين صدرت، وبالرغم من عمرها الطويل (82) عاماً، لم نجد أية دراسة حقيقية مثل رسائل الماجستير والدكتوراه تقف على أم القرى الصحيفة بشكل يعكس لنا مظاهر شتى مناحي الحياة في فترة صدورها التي واكبت مرحلة التأسيس. لقد كانت الندوة من العجلة بحيث لم يلق كل باحث ورقته كاملة بسبب الوقت بل ألقى ملخصاً لبحثه، وننتظر أن تقوم الدارة بنشر هذه البحوث كاملة في كتاب مع نتائج هذه الندوة وتوصياتها التي لم تُعلن حتى الآن ورُفعت لمعالي الوزير وسنسمع عنها حين إعلانها. صحيفة أم القرى التي وُصفت بالعجوز التي هرمت على لسان مدير تحريرها ننتظر كما وعدنا الوزير أن تعود إلى صباها، فهل يعود الشيخ إلى صباه؟