أظهرت الدراسات الحديثة أن الإقبال على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي يزداد داخل المجتمع بشكل مطرد، حيث احتلت المملكة المرتبة الخامسة على مستوى الدول العربية، وبحسب ما يراه مختصون فإن سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يزيد نسبة الخلافات بين الزوجين والأسر فيما بينها، مسبباً تلك الخلافات التي تأتي نتجة إدمان التكنولوجيا وكشف الخصوصية الأسرية للآخرين مثل السفر والجلسات الخاصة وتناول العشاء والغداء في المطاعم، حيث سجلت الكثير من المحاكم حالات طلاق بسبب الإدمان على وسائل التواصل وكشف خصوصية الأسرة. «الرياض» استطلعت آراء العديد ممن لهم صلة بقضية هذا التحقيق، لمعرفة أبعاد هذه الظاهرة وكيفية الحد من آثارها السلبية على المجتمع. سلاح ذو حدين بدايةً أكد لنا الشاب محمد الأمير - طالب في كلية الطب- أن مواقع التواصل الاجتماعية هي سلاح ذو حدين، مضيفا: «يبقى الاعتماد على كيفية استخدامها من جانب الشخص نفسه، فوسائل التواصل الاجتماعية لها الأثر الايجابي على الشخص لأنه يستفيد منها بتكوين صداقات كثيرة وحقيقية على مستوى العالم، ولذلك أصبحت وسائل التواصل المختلفة تشكل نقطة ايجابية على الشخص، خلاف من يستخدمها لأمور أخرى سلبية، وأن يجعلها تكشف خصوصياً السكن والأكل والأمور الأخرى، وأن يكون الآخرون على دراية تامة بكل تحركاتنا وتنقلاتنا في كل مكان». ويؤكد عبدالله الملحم - شاعر- أن الإنترنت سلاح ذو حدين يمكن أن يكون مفيدا إذا عرفنا كيف نستثمره بالشكل الأمثل، وهو في الوقت نفسه أداة تخريب للأخلاق عن طريق بعض المواقع المبتذلة التي لا تجدي نفعاً، مشيراً بأننا الآن في عالم الإعلام الاجتماعي، وأصبح موضوع الخصوصية موضوعاً قديماً بعض الشيء، ولم يعد عليه الكثير من الأهمية. فرصة للتواصل ويرى خالد القحطاني -إعلامي- أن وسائل التواصل الاجتماعي مكنت الناس في التواصل فيما بينهم ومعرفة أخبار بعضهم البعض وتكوين علاقات مفيدة بينهم، مضيفاً: «لكن مع كل هذه الامتيازات والفوائد لمواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنها إذا استخدمت بطريقة سلبية وبصورة خاطئة ينعكس ذلك على مستخدمها، فلا يجب ترك الشباب والمراهقين وحدهم على هذه المواقع لأنها قد تسبب الإدمان، وقد تجرفهم إلى التعرف على جماعات منحرفة، لأن الشباب والشابات والمراهقين يكونون في مرحلة اندفاع وحب للمغامرة مع عدم تقدير المخاطر جيداً، كما أن هذه المواقع قد تؤدي إلى انعدام الخصوصية في الحياة العملية وتسبب الكثير من إضاعة الوقت وهدره في تقليب الصفحات دون فائدة، مما يشغل الشخص عن عمله وحياته ودراسته، وقد تؤدي إلى إصابته بالعزلة عن الناس وتعرضه للأمراض النفسية». ثورة تكنولوجية من جانبها أكدت عايدة صالح -إعلامية- أن مواقع التواصل الاجتماعية من أهم ما أنتجته الثورة التكنولوجية في عصر العولمة، وقالت: لوسائل التواصل الاجتماعي ايجابيات عديدة كتسهيل التواصل مع الجميع وفي أي مكان وأي وقت، ولكن بالمقابل لها سلبيات تعتمد على مستخدميها بشكل سيء خاصة من جعلها عالمه الافتراضي الذي يعيشه طوال يومه ويتواصل مع علاقات نشأت في تلك المواقع متناسيا واقعه الحقيقي الذي أصبح عنه في معزل، إضافة لمن أتخذ من التطبيقات والبرامج قناة شخصية له ينشر بها ويستعرض كل صغيرة وكبيرة من شؤونه الخاصة وبات المتابع له يعرف أدق تفاصيل حياته وبرنامجه اليومي وما يأكل ويشرب وألوان أثاث غرفته الخاصة، والمشكلة أصبحت مواقع التواصل قناة ومنبراً للبعض من المشاهير، يشاهده عدد من المتابعين بعقول وأعمار مختلفة، ويصبح له تأثير سلبي ويلعب دور القدوة لبعض النشء ممن يعيش في مجتمع محافظ كما في مجتمعاتنا، فاليوم ممكن أن نعرف ما تناولته بعض الأسر في عشائها وهي تبعد عنا آلاف الكيلو مترات، اليوم أصبح الكثير ممن يستخدم تلك الوسائل الاجتماعية يسعى للتقليد والاستعراض والمباهاة متناسين ما يجب عليهم من الحفاظ على خصوصيتهم وخصوصية أهلهم وحرمة انتهاك البيوت. فئات عمرية أما منيرة الجوهر -أخصائية اجتماعية - فأشارت إلى أن برامج التواصل الاجتماعي أصبحت الشغل الشاغل لجميع أفراده من الكبار والصغار، وقالت: إننا لا ننكر أهمية تلك الوسائل التي قربت البعيد، وأصبح التواصل بين المجتمع أسهل وأفضل، وسرعة الحصول على المعلومات زادت، والإطلاع على أحداث العالم أصبح أكثر سهولةً وبأقل جهد وأقل تكلفة، إلا أن هناك فئة من المجتمع استغلت تلك الوسائل استغلالاً خاطئاً، خصوصاً بعد انتشار برنامج «السناب شات»، والذي قضى بحسب رأيي على خصوصية كثير من البيوت، ويعتبر ذلك من الآثار السلبية بعد أن سببت الفوضى عند بعض الأسر والعلاقات الزوجية، فهناك منازعات وخلافات سببها الرئيس تلك الوسائل الاجتماعية. من جانبه لفت وليد الشويهين -مدير العلاقات العامة بكلية التقنية بالأحساء- إلى أن تنوع مواقع التواصل الاجتماعي، وجذبها لسكان العالم كافة، واستحواذها على نصيب الأسد من وقتهم، بات يشكل مصدر خطر على الأسرة وترابطها، مشيراً إلى أن ذلك ما حذرت منه إحدى الدراسات في السعودية والتي تتعلق بالسلبيات والمخاطر الاجتماعية المحتملة على الأسرة السعودية والتي قد تنجم عن استعمال شبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي المختلفة، والتي أصبحت تطارد أفراد الأسرة في كل مكان. توظيف خاطئ من جهته قال علي القطان: إن مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة جيدة للتواصل بين الأشخاص الذين تربطهم مصالح مشتركة في الأعمال المتنوعة، ولكن هناك من يجهل استخدامها ويوظفها في غير مكانها المناسب، وأضاف القطان أكثر ما يستاء منه انعدام الشخصية والذي لا يعتمد على جيل الشباب فقط، وإنما نجد أيضاً شخصيات لها مكانة مرموقة في المجتمع يتشاركون خصوصياتهم على هذه المواقع، ولو كانوا في غرف العمليات، رغم علمهم بأن ما ينشرونه معروض على شريحة واسعة لا يمكن السيطرة عليها وحصرها. بدوره أكد عادل المهيزعي -مدير التطوير في جامعة الملك فيصل بالأحساء- إلى أن مفهوم الخصوصية شابه اليوم العديد من التغيرات، وقال: اليوم اختلفت معنى الخصوصية بعدما ظهرت في الآونة الأخير الكثير من وسائل التواصل الاجتماعي، في الماضي كنا نتحفظ عن مشاركة معلوماتنا أو تفاصيل يومنا مع زملائنا أو معارفنا من غير المقربين، وكانت صورنا تعتبر من الأمور الخاصة التي لا يجب من أناس غرباء من يطلع عليها أو يحتفظ بها، والتي تقتصر على الأهل والأصدقاء المقربين منهم، أما اليوم أصبحنا نشارك الكثير من معلوماتنا حتى لو بدون طلب، طالما أن هناك جمهوراً يستقب، وانتشار ظاهرة انعدام الخصوصية لا ينحصر على مجموعة عمرية معينة أو جنس أو خلفية اجتماعية، فتنوع مصادر المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي يعكس تنوع مستخدميه من كل العالم، وبعد انتشار العديد من وسائل التواصل الاجتماعي نجد أن هناك الكثير من يتباهى بنشر صوره سواء في سفرة لدول خارجية أو مطاعم فاخرة أو طقم ذهب بالنسبة للنساء، متناسين بأن هناك من يطلع على تلك الصور أناس تنكسر قلوبهم حسرة، لأن بعضهم من ذوي الدخل المحدود، ولا يمكنه أن يتباهى مثلهم. تراجع الخصوصية ويرى حسن البناي -مسؤول في بلدية المبرز وناشط بوسائل التواصل الاجتماعي- إلى أن الإعلام الجديد أحد أشكال تراجع الخصوصية، مضيفاً: «بالنسبة لمن يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، لم تعد هناك خصوصية، بل بقايا خصوصية نحاول انتشالها كي نحافظ عليها، لكن بالنسبة لي، لم أخسر خصوصيتي لأنني أنا من أقرر ما أكشف عن تفاصيل حياتي وما لا أكشف عنه وأختار الصور بعناية، قد يسعى الناس لنشر معلوماتهم حبا منهم للظهور والبروز وللتباهي أحياناً، أيضاً، الكثير من الأشخاص وصلوا لدرجة من اللامبالاة تجاه خصوصياتهم نتيجة النشاط الروتيني أو الفراغ الذي قد يملأه الإنسان في مشاركة معلوماته وصوره عبر مواقع التواصل». ويرى ماهر العلي أنه مهما حاول مستخدم هذه الشبكات ضبط خصوصياته، إلا أنه يشكل نشره لصوره ومعلوماته الشخصية خطأ فادحاً، لا يمكن الرجوع عنه في حال تعرضت هذه الصور والمعلومات للسرقة أو لسوء الاستخدام من أشخاص خبثاء، وقد تصل الأمور إلى حد الابتزاز والمساءلة القانونية. من جانبه أشار د.محمد الأمير أن الآثار الجسدية والنفسية التي قد يتعرض لها مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي تتمثل بإصابة الكثيرين بما يسمى الإدمان الالكتروني والذي يؤدي إلى العزلة الاجتماعية، مثل الشعور بالخجل، والتلعثم في الحديث مع الآخرين، مما يصيبهم بالتعرق، وتسارع نبضات القلب، فيتهربون من مواجهة الغير، أيضاً هناك من يضعف جسده بسبب السهر وقلة الأكل، أو العكس بحيث يتعرض للسمنة. ضبط النفس مطلب من جانبه شدد م.رياض السعيد -مختص بالتقنية- على أهمية ضبط النفس عند التعامل مع وسائل الاتصال الاجتماعية، مضيفا: «لا ينكر أحد أن مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، تعتمد فوائده ومضاره على كيفية استخدامه، وعلى جميع المستخدمين ضبط أنفسهم وتسخير هذه الوسائل الحديثة لمنفعتهم الشخصية، وخدمة مجتمعاتهم بشكل ايجابي فعال، وتوخي الحذر الشديد أثناء استخدامهم هذه المواقع، لما تحتويه من أنشطة وتطبيقات ومواقع». وقال السعيد: وسائل التواصل الاجتماعية خصوصاً المرئي منها جعل الأسرة تفقد خصوصيتها وأصبح جميع من بالقائمة يعلم تلك التفاصيل التي لا يفترض أن تكون خارج إطار الأسرة وبالتالي فإن صاحب هذا الحساب فتح باب منزله أمام الغرباء ليدخلوا في منزله بل ويبدوا آراءهم واقتراحاتهم عليه في أمور يفترض أنها لا تخرج عن دائرة المنزل. كثير من السيدات تصور كل مواقفها الخاصة وتنشرها على مواقع التواصل وصول أجهزة الجوال لأيدي الأطفال سبب انتشار الكثير من الصور الخاصة عادل المهيزعي رياض السعيد وليد الشويهين علي القطان