من المناسب جداً توجيه التحية لأعضاء الفريق السعودي الذي قاد عمليات التفاوض الشاقة والطويلة التي انتهت بتوقيع الاتفاقية الثنائية مع الولاياتالمتحدة لتمهد بالانضمام لمنظمة التجارة العالمية لاحقاً. ولعل أحد أسباب التقدير لأعضاء الفريق أنه لم يكن يفاوض في مرحلة وظروف مثالية كما كان الحال للعديد من الدول التي أنهت مبكراً متطلبات الانضمام بشروط مريحة وبأقل الالتزامات الممكنة في الوقت الذي كانت دولة مثل الكويت تختار وضع رسوم تصل إلى 100٪ على الواردات من السلع الزراعية والمغرب يضع رسوماً تصل إلى 300٪ على بعض السلع وهذا بالطبع ليس مسؤولية معظم أعضاء الفريق الحالي، وإنما هذا ما كان عليهم التعامل معه واستطاع بعد سنوات من المفاوضات الشاقة الحصول على أفضل ما يمكن وبأقل الالتزامات الممكنة. أشير هنا إلى ما هو متعلق بالشق الزراعي وخصوصاً بعدد من المنتجات الرئيسية للقطاع الزراعي. فقد نجح الفريق في الحصول على تعرفة حمائية مناسبة لعدد من السلع التي وصفت بأنها حساسةويوجد لها في المملكة صناعات متطورة واستثمارات ضخمة منها الألبان والدواجن والبيض إضافة إلى المحصول الزراعي الاقتصادي الأول للمزارعين وهو القمح. فقد استطاعت المملكة الحصول على تعرفة جمركية تصل إلى 25٪ على واردات القمح وحصلت على فترة إعفاء تصل إلى 10 سنوات لتخفيض سعر شراء المحصول من المزارعين بما لا يزيد على 1,3٪ فقط سنوياً وعلى أساس سعر الشراء السابق وهو 1500 ريال/ الطن مما لا يؤثر في القريب العاجل على اقتصاديات زراعة المحصول من قبل المزارعين. والجدير بالإشارة أيضاً أن الفريق نجح في عدم تعرض أي من المؤسسات الحكومية التي تقدم القروض والإعانة للمزارعين لأي مساس وخاصة البنك الزراعي ومؤسسة الصوامع، وهذا مكسب كبير للقطاع الزراعي والعاملين فيه. وألفت الانتباه على أن ما يحدث حالياً من ممارسات زراعية لا تتوافق مع حرص القطاع والجهات المعنية وتوجهاته نحو خفض استهلاك المياه. فالملاحظ أن هناك توسعاً كبيراً في المسحات الزراعية لمحصول الأعلاف على حساب تقليص مساحات زراعة القمح والتي قد تصل في بعض مناطق زراعة القمح إلى 30٪؟! والأعلاف كما لا يخفى على من يعمل في هذا القطاع تعتبر أكثر استهلاكاً للمياه بكثير من القمح. ولعل أحد الأسباب الرئيسة لهذا التحول هو الجدوى الاقتصادية بسبب ارتفاع تكلفة الإنتاج التي تصل إلى 4000 ريال للهكتار الواحد قبل خصم الزكاة والشوائب والإهلاكات ناهيك عن التعرض لأي احتمالات وأضرار طارئة أثناء الزراعة ليجعل الخسارة حتمية على كثير من المزاعين الذين لا يتجاوز إنتاجهم 5 أطنان للهكتار الواحد. فتكلفة المدخلات الزراعية الضرورية للإنتاج ارتفعت بشكل ملحوظ على المزارعين وتتعذر الشركات المنتجة والموردة بارتفاع مشتقات البترول وبالتالي الطاقة والنقل إضافة إلى دخول مشتقات البترول في العديد من صناعة تلك المدخلات وبالذات الأسمدة والمبيدات التي تشكل 30٪ تقريباً من تكاليف الإنتاج على المزارع، ناهيك عن ارتفاع أسعار الديزل الذي يمثل تقريباً 38٪ من تكلفة الإنتاج... وهكذا. وفي ظل سعر شراء القمح الحالي من قبل الصوامع وهو 1000 ريال للطن الواحد يوضع المزارع في موقف يحتاج إلى إعادة النظر فيه من زراعة هذا المحصول الأهم بالنسبة لهم. أليس من المعقول دعماً للمزارعين ودعماً لسياسة ترشيد المياه إعادة النظر في سعر شراء القمح ليصبح 1,5 - 1,20 ريال/كجم بدلاً عن 1 ريال/ كجم؟! * عضو اللجنة الزراعية بغرفة الرياض