لا شك أن ثمة تطوراً كبيراً حصل في مسار العلاقات المصرية - الإسرائيلية مؤخراً وتم التعبير عنه في خطوة أولى في اطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام الذي تحول توقيفه إلى قضية سياسية إسرائيلية بامتياز وبذل رئيس الحكومة الإسرائيلي آرييل شارون وغيره من رؤساء الحكومات السابقين جهوداً كبيرة للافراج عنه. ولا شك في أن القرار المصري كان هدية كبرى لشارون لأنه حقق من خلاله مكسباً سياسياً عزز فيه مواقعه الداخلية في وقت تكاد تنهار فيه حكومته، ويسعى إلى تشكيل حكومة جديدة يضم إلى صفوفها حزب العمل، استعداداً لمواجهة المرحلة الجديدة بعد غياب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، في ظل التحضير لانتخاب قيادة جديدة، والكل يطالب إسرائيل بتسهيل العملية الانتخابية وتمكين الشعب الفلسطيني من التعبير عن خياراته التي ستنتج مبدئياً «شريكاً» يفاوض إسرائيل بعد أن اعتبرت أميركا وإسرائيل أن عرفات لم يكن يمثل هذا الشريك ولذلك تحول خلال السنوات الأخيرة التي سبقت وفاته إلى عقبة أمام الحل بعد أن كان أساس أي حل!! على كل حال، وقبل الإفراج عن الجاسوس عزام، كان الرئيس المصري حسني مبارك قد أطلق تصريحاً لافتاً أشاد فيه بشارون وقدرته على تحقيق الحل إذا أراد وقال ان عهده قد يكون عهد السلام في المنطقة ولابد من العمل لتحقيق ذلك!! ماذا نالت مصر من الصفقة؟؟ لقد أفرجت إسرائيل عن 6 طلاب مصريين اعتقلوا داخل أراضي ال 48 ولكنهم ليسوا جواسيس. وبالتالي ليس الثمن الإسرائيلي الذي دفع ذا قيمة إذا حصر هنا. لكن الأهم هو التعديل المرتقب على اتفاق كامب ديفيد والذي تم الاتفاق عليه أثناء زيارة وزير الخارجية المصري أحمد ابو الغيط ورئيس المخابرات المصرية عمر سليمان إلى إسرائيل، والقاضي بالسماح لمصر بنشر 750 جندياً مصرياً على حدودها مع غزة، وبتدريب 40 ضابطاً فلسطينياً إضافة إلى اطلاق سراح عدد من المعتقلين الفلسطينيين سيكون بينهم رموز من فصائل مختلفة. وعلى هذا الأساس سوف تعلن عودة السفير المصري إلى إسرائيل بعد الانتخابات الرئاسية الفلسطينية في التاسع من الشهر المقبل. هذا على المستويين السياسي والأمني، أما على المستوى الاقتصادي فقد برز الحديث عن توقيع صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل وإقامة منطقة للتجارة الحرة على الحدود بينهما، وأربع مناطق صناعية خاصة تماماً كما حصل بين الأردن وإسرائيل، حيث سيكون التعاون بين مصانع إسرائيلية ومصرية، لتصدير البضائع إلى الولاياتالمتحدة واوروبا بضرائب جمركية مخفضة، ويتوقع المصريون من خلال هذه الخطوات تطوراً ونمواً في اقتصاد بلادهم انطلاقاً من تقديرهم بأن التعاون الإسرائيلي الأردني رفع التصدير الأردني إلى أميركا من 15 مليون دولار إلى مليار دولار، وهم أيضاً معنيون بقطف «ثمار السلام»!! كذلك فإن وزير الصناعة والتجارة الإسرائيلي ايهود اولمرت سيوقع قريباً اتفاقاً اقتصادياً جديداً مع مصر وسيترأس خلال ايام وفداً من عشرات رجال الأعمال الإسرائيليين إلى القاهرة لاستئناف العلاقات التجارية بين البلدين، والعمل على توسيع التجارة بينهما. ولكن بالإضافة إلى اطلاق سراح الجاسوس عزام فإن ثمة دوراً مصرياً في ضبط الأمن على الحدود الفلسطينية، وضبط إيقاع الحركة السياسية الفلسطينية على إيقاع ونغمات وألحان «مكافحة الإرهاب» غير المتفق على تعريفه من جهة، وبالتالي غير المتفق على مواجهته من جهة أخرى لا سيما وأن الفصائل الفلسطينية لم تتوصل إلى قراءة واحدة لمجمل هذه الأحداث والتطورات وبالتالي يخشى من تعزيز المنطق الإسرائيلي بأن عرفات لم يكن شريكاً في السابق لأنه لم يواجه الإرهاب وها هي القيادة الجديدة غداً لا تواجهه أي لا تتورط في حرب أهلية وبالتالي لن تكون شريكة، أو تدخل في هذه العملية - لا سمح الله - وتكون إسرائيل هي الرابح!!. إنها مسألة حساسة وخطيرة جداً. وإذا كان ثمة من يريد إظهار حسن النية أمام الأميركيين ومواكبة حركتهم أيضاً في هذه المرحلة لنيل الرضا وتأمين استقرار نظام هنا أو هناك فإن للأمر انعكاسات سلبية كبيرة في المستقبل لأن إسرائيل لن تعطي شيئاً لأحدولن توقف إرهابها. والدليل أنها استمرت في محاولات اغتيال قادة المقاومة وممارسة الإرهاب، كما استمر جيشها في قتل الأطفال، وعرقلة كل التحقيقات في جرائم سابقة هزت بعض مواقع الجيش «وأساءت إلى صورة إسرائيل وأخلاقها» كما أعلن بعض المسؤولين الإسرائيليين. إن شارون يسير كالجرافة التي لا تتوقف في كل الاتجاهات وبتقنيات عالية سياسياً وعسكرياً وأمنياً ويستفيد من كل التطورات على الساحة العربية والضغوطات الأميركية على كافة الدول التي تندفع وللأسف لإعادة العلاقات وبعضها لبناء علاقات جديدة مع إسرائيل بعد الاتفاق المصري الأخير الذي اعتبره البعض فاتحة لطريق جديد في اتجاه إسرائيل.. لا شك في أن ثمة بعض الفائدة الاقتصادية من التعاون بين مصر والأردن وإسرائيل في التصدير إلى أميركا ولكن المفجع أن أحداً لا يدرس ولا يقول كلمة عن التعاون العربي - العربي والتبادل التجاري والاقتصادي العربي - العربي، ثم التبادل العربي مع أميركا وأوروبا. إنه أمر معيب جداً. نحن نتقاتل، نتصارع، نختلف، نتهم بعضنا البعض، نسعى إلى اضعاف أنفسنا وبعضنا. ونذهب إلى إسرائيل لنحصل على شيء من القوة ونخرج واهمين في النهاية. وكأننا لا نريد أن نتعلم كأنظمة أو قادة من تجارب الآخرين. وكأننا نهرب إلى الأمام بل نهوى سياسة الهروب إلى الأمام. إنها أيام صعبة سوداء ولكنها لن تستمر هكذا بالتأكيد. وأبرز مثال على ما أقول أن ثمة في لبنان من تناول الاتفاق المصري - الإسرائيلي من زاوية صغيرة ضيقة عندما تحدث بلغة الاتهام عن دور مفبرك ومزعوم للزعيم وليد جنبلاط في إطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام في وقت كان فيه جنبلاط في باريس يلتقي عدداً من قياديي أبناء طائفة الموحدين العرب الدروز في أراضي ال 48 الذين رفضوا التجنيد الالزامي في الجيش الإسرائيلي وأعلنوا تمسكهم بهويتهم العربية فأدخل منهم من أدخل السجن واعتقل أبناء البعض الآخر ويتعرض الجميع لضغوطات كبيرة من جانب قوات الاحتلال التي تصر على سلخهم عن بيئتهم وتريد الانتقام منهم لأنهم يغذون روحاً ونفساً لم تتوقع وجودهما، ولأنهم انفتحوا على قيادة وطنية عربية مثل جنبلاط في لبنان وكذلك في سوريا، وكان بين أعضاء الوفد الذي التقاه جنبلاط في باريس محام يتابع أمام المحكمة الإسرائيلية قضية تهدف إلى السماح لعدد من المشايخ الدروز بالانتقال إلى سوريا والاجتماع بأقاربهم لتأكيد الروابط والتواصل. فعوض أن يكرم هؤلاء ويشعرون بالاحتضان لتعزيز دورهم وتتوفر لهم وسائل الدعم المعنوي والإعلامي والسياسي على الأقل، وبالتالي يساعد من بادر إلى فتح مثل هذه القناة، تمَ التعاطي في لبنان بمثل هذه الطريقة، وتمَ تعاطي الإعلام العربي مع وصول عزام عزام إلى بلدته المغار بشكل أظهر حماس أهله لشارون وأغفل الجانب الأهم في البلدة الكامن في أن أعلى نسبة من رافضي التجنيد الإلزامي هي في صفوف أبنائها. انها مسألة تستحق التفكير ولابد من الانتباه إلى كل القضايا التي تؤكد الترابط بين العرب والمسلمين. وفي هذا الاطار وإذا كان ثمة مجال للاستفادة الآن من هذا الموقع المصري فلماذا لا يكون احتضان لهؤلاء الشباب في الجامعات والمعاهد والمنتديات والمراكز الثقافية والإعلامية. إن في ذلك فائدة إلى جانب الفوائد الاقتصادية والسياسية التي يبحثون عنها.