منذ عام 1996م والكرة السعودية بعيدة جداً عن بطولة آسيا على صعيد المنتخبات، وكان المعول عليه طيلة فترة الغياب هي مشاركات الأندية قاريا، فكان الهلال والاتحاد على وجه الخصوص يقودان الكرة الخضراء في تحقيق البطولات الآسيوية، حدث ذلك مع الهلال عام 2000م بعد أن توج نفسه بطلاً على حساب جوبيلو ايواتا الياباني، بعد أربعة أعوام حقق الاتحاد لقب نسخة 2004 بعد أن حول خسارته بجدة إلى انتصار ساحق في كوريا الجنوبية على غريمه سيونغنام إف سي الكوري الجنوبي 5-صفر، في النسخة التي أعقبته حقق الاتحاد مجدداً لقب آسيا على حساب العين الإماراتي، لتكون آخر بطولة آسيوية تحققها الأندية السعودية. من ينقذها من التدهور.. وإهدار الأموال بلا نتائج إلى متى؟ طيلة الأعوام الماضية جاءت مشاركات الأندية السعودية متفاوتة الأداء والظهور، ففي مواسم تبرز أندية وتقاتل للوصول إلى أبعد نقطة وأخرى تشارك مشاركة شرفية وتكون أول المودعين لكأس آسيا، يحفظ التاريخ الرياضي وصول الاتحاد ثم الأهلي وأخيراً الهلال لنهائي الكأس الآسيوية، لكن الوصول لم يثمر عن التتويج بالبطولة بل جاء ليؤكد استمرار الغياب السعودي عن الحضور في دوري أبطال آسيا، فالاتحاد خسر نسخة 2009 أمام منافس قريب جداً لمستواه ولا يتفوق عليه كثيراً، وسقط الأهلي في نسخة 2012 بنتيجة كبيرة أمام منافسٍ مغمور آسيوياً بنتيجة 3-صفر، توجت أولسان الكوري الجنوبي بطلاً لآسيا لأول مرة في تاريخ النادي الكوري، في نسخة 2014 فرط الهلال بالتتويج بلقب آسيا بعد خسارته أمام النادي الاسترالي المغمور في لقاء الذهاب 1-صفر وتعادله في الإياب بنتيجة صفر-صفر ليتوج سيدني بطلاً لآسيا لأول مرة بتاريخه، ولا يمكن إغفال الكوارث التحكيمية التي كان بطلها الحكم الياباني نيشيمورا في لقاء الرياض، لكن الهلال لم يقدم أي مستوى يشفع له بالتتويج على الأقل في لقاء الذهاب في استراليا. الملايين بلا نتائج لماذا الأندية السعودية تتراجع آسيوياً موسماً بعد آخر؟ قبل الكلام عن التراجع القاري يجب النظر إلى القوة الشرائية للأندية السعودية مقارنة بالأندية الباقية التي تتشارك مع أنديتنا السعودية في آسيا، لا شك أن أنديتنا تحتل ترتيباً متقدماً بين هذه الأندية، ففي كل موسم نقرأ عن لاعبين بالملايين يأتون ويرحل آخرون، ومن ناحية مادية لا تعتبر أندية الكرة السعودية ضعيفة حتى يكون التحجج بذلك في الغياب عن المنافسة، فهل هذه الأندية التي تصرف ببذخ هي المسيطرة على البطولة الآسيوية؟ منذ أن غابت شمس الكرة السعودية عن بطولات آسيا بتتويج الاتحاد نسخة 2005 وكل الأندية التي حققت اللقب لا تسرف في مصروفاتها ما عدا جوانزو الصيني الذي حقق لقبين من أصل عشرة ألقاب، باعتباره ناديا يسرف في تعاقداته المادية ويبحث عن لاعبين من أوروبا يضيفهم إلى قائمته المحلية والآسيوية، بقية الأندية التي توجت بالألقاب ربما هي أقل حتى من الأندية السعودية التي تحتل ترتيباً متوسطاً في ترتيب دورينا المحلي، ومهم جداً أن ننظر إلى دوريات أخرى استخدمت سلطة المال لبناء منجزات قارية لأنديتها المحلية هل نجحت؟ ربما تجربة روسيا في أوروبا جديرة للقراءة في تفاصيلها، فهي بالنسبة لأوروبا هي أشبه ما تكون الصين إلى كرتنا الآسيوية، وقبل أعوام دخلت بقيادة مستثمرين أجانب وروس بمليارات الدولارات سباق التنافس على شراء لاعبين مميزين من أوروبا، ماذا كانت النتيجة للأندية الروسية؟ لا شك أنها في الأصل هي غير قادرة على أن تنافس أندية كبرى بقيمة برشلونة أو ريال مدريد أو حتى بايرن ميونيخ وغيرها من أندية أوروبا الكبرى، لكن ونظراً للصرف المادي الكبير كان منتظراً على الأقل أن تصل أندية روسيا لأدوار متقدمة في "الشامبينزليغ" إلا أن ذلك لم يتحقق فجاءت مشاركات الأندية الروسية مخيبة للآمال، لينسحب معظم المستثمرين منها بعدما تيقنوا فشل التجربة وانهارت أندية كنادي آنجي الروسي الذي كان يصرف أغلى راتب في العالم للكاميروني صامويل ايتو ولكنه هبط للدرجة الثانية قبل أن يعود الموسم الماضي مجدداً، عقب موسم أو موسمين تخلى مالك النادي الملياردير سليمان كريموف عن فكر الشراء المفرط من أوروبا واتجه ليعتمد على بناء فريق من الأساس للمستقبل، وهكذا يقاس الأمر على غالبية الأندية التي حاولت بناء فريق بالملايين وفشلت سواءً في روسيا أو غيرها مثل موناكو الفرنسي الذي أسرف في مصاريفه المالية بعد عودته للدرجة الأولى إذ صرف رئيسه قرابة 166 مليون يورو دون أن يحقق الفريق أي بطولة، في الموسم الذي تلاه تخلى عن كثير من نجومه مثل الكولومبيين رادميل فالكاو وجيمس رودريغيز وآخرين . أخطاء إدارية منهكة الصرف المالي الكبير لأندية الصين في انتقالات الشتاء ليس معناه سيطرتهم المطلقة على بطولات آسيا للمستقبل، لا شك أن الصرف الذي فعلته سيطور أداءها لكن لا يعني ذلك سيطرتها المطلقة، وحتى لا نذهب بعيداً الأندية الخليجية منذ أعوام وهي تصرف ملايين الريالات لاستقطاب لاعبين عالمين إلا أن ذلك لم يكن كافياً لأن تسيطر أندية الخليج على بطولات آسيا بل إنها لم تتفوق على بطولات الأندية السعودية في آسيا، فلا يجب التسليم والركون إلى فكرة أن ابتعاد أنديتنا المحلية عن بطولات آسيا سببها القوة الشرائية بيننا وبين المنافسين في البطولة. إذً لماذا لم تتوج أنديتنا المحلية في بطولة آسيا منذ عشرة نسخ ؟.. الحقيقة أن التراجع الفني الكبير الذي تشهده كرتنا السعودية هو نتاج انخفاض أداء اللاعب السعودي، وأخطاء إدارية متراكمة ينتج عنها سوء اختيار الأجهزة الفنية والعناصر الأجنبية، يصحب ذلك كله الركون إلى الماضي الذي صنعته هذه الأندية في بطولات آسيا السابقة، ففي كل إخفاق يردد جماهير الهلال أن ناديهم "الزعيم" وأنه الأكثر تتويجاً بالألقاب الآسيوية، ويتباهى جماهير الاتحاد بأن ناديهم الوحيد الذي حقق لقب آسيا بنسخته الجديدة ، فيما يتمسك جماهير النصر مع كل كبوة وانتكاسة بمشاركة الفريق العالمية مطلع الألفية الجديدة، لكن ما أثر هذا كله في حاضر هذه الأندية ؟ لا شيء يذكر عدا مزيداً من التراجع الفني والخسائر المتوالية عاماً بعد آخر، ففي الجولة الآسيوية الأخيرة ظهرت الأندية السعودية المشاركة في أسوء صورة، ولم يستطع أي نادٍ أن يحقق الفوز واكفتى الهلال والنصر بالتعادل إيجاباً وخسرا قطبا جدة أمام الأندية الإماراتية، استمرار التراجع في آسيا ربما يرسم في داخلنا انعدام لطموح البطولات القارية ويجعلنا مع الوقت أشبه ما نكون بأندية الدول النامية والتي تشارك لتخرج بأقل الخسائر، فهذه الملايين التي تصرف على الأندية السعودية سواءً من الدعم الحكومي أو موارد الاستثمار أو دعم أعضاء الشرف يجب أن يثمر عنها نجاحات قارية وليس الركون إلى تحقيق منجزات محلية لأن ذلك سيجعلنا في المستقبل أندية ضعيفة مسلوبة الطموح ورغبة البطولات. ختاما من ينقذ الكرة السعودية من الانحدار وضياع المكتسبات وسوء العمل وغياب الحزم وتغييب اللوائح والنظام، ما يحدث ينذر بنتائج سيئة ربما تجعلها تقف في الصفوف المتأخرة بينما دول تتساوى معها في النتائج أو تتأخر عنها تتقدم إلى الأمام و"الرياضة الخضراء" تسير في الاتجاه المعاكس. مرشد العيسى