هكذا ورد الخبر المصاحب لفوز السيدتين نشوى طاهر ولمى السليمان بمقعدين في مجلس إدارة الغرفة التجارية بجدة. وورد اسم لمى، هكذا «لما» بينما هو يكتب في العربية بالألف المقصورة، ويعني «السواد أو السمرة التي في باطن الشفة». هذان المدخلان النحوي والإملائي، ليسا إلا دليلاً ساطعاً على الارباك والارتباك اللذين أحدثهما فوز هاتين السيّدتين. إن فوزهما حدث تاريخي كما أشار لذلك الكثير من الكتاب وإن كان حسين شبكشي أقربهم إلى تاريخية الحدث وأهميته، ومع هذا فقد وقع ضحية للنحو والإملاء ومعه الشرق الأوسط، وكأن المرأة عندما تنتقل إلى دور الفاعل تعيد صياغة المسلّمات الذكورية، ويصبح من حقها أن تفعل باللغة ما يحق للشاعر فقط، ولكن ما الذي يجعلنا جميعاً نحتفي بهذا الحدث، جميعاً ولكن لكل طريقته في الاحتفاء. منا من انتصب عالياً ومنا من كاد يغمى عليه. وفي الحالين كنا نعبر عن حالة مرضية، حالة نادرة في هذا العالم، كان التلفزيون الفرنسي «المحطة السادسة» يعرض تحقيقاً عن المرأة السعودية مساء الأحد الماضي، وقد كان مقدم البرنامج في نشوة الذي يقدم لجمهوره ومشاهديه إحدى عجائب الدنيا السبع بل وأكثر من ذلك. وكأنه يكشف للعالم ما اقتحمه فريقه من أهوال للوصول إلى تلك المعتقلات - التي نسميها جامعات - ، كان الفريق مكوناً من امرأتين فرنسيتين ومعهما ثالثة كانت تتأهب لمغادرة المملكة ولذا فلم تعد تبالي بمسألة الحجاب. كان البرنامج جارحاً وكأنه يتحدث عن مجتمع مريض بالفعل، مجتمع متصحر، منقسم انقساماً عنصرياً، يلغي نصفه، مجتمع لم تعرفه الجزيرة العربية في كل مراحل تاريخها وفي كل أقاليمها. وبالعودة إلى مقالة حسين شبكشي التي عنونها كالتالي فازتا؟ أم فزنا؟». نعود معه إلى أن هذا ا لوضع شبيه بالسرطان.. فهل تكون الغرف التجارية سباقة كالعادة وقادرة على فرض لغتها وقاموسها وقوانينها المرتبطة بالدورة الدموية للعالم أجمع لكي تخرجنا قطاعاً بعد آخر من هذا المرض الخبيث وتقودنا إلى أن نكتشف أن المرأة ليست عاهرة بالفطرة وأن أمهاتنا وجداتنا لم يكنّ كذلك حين كن يعملن جنباً إلى جنب مع الرجال في الحقول والأسواق والصحاري. إن فوز السيدتين ليس فقط حدثاً تاريخياً ولكنه صفعة لهذا السرطان ولحراسه ممن لا يرون في المرأة أية جدارة باحتلال موقع الفاعل.. والخروج من تلك الزنزانة التي رصدوا لها المليارات الضخمة لكي يحيلوها ويحيلوا معها المجتمع برمته إلى مجتمع مشلول ومريض.