أمس الأول اجتمع التربويون.. لمناقشة أثر انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية على قطاع التعليم، وكنت أتمنى - على أهمية هذا الموضوع - لو أنهم اجتمعوا قبل هذا لمعالجة حالة الوهن الإداري الذي أصاب الجسم التربوي والتعليمي.. حيث لم يعد للإدارة التعليمية نفس القوة الاعتبارية لمواجهة مشكلاتها اليومية، وبالتالي لم يعد بمقدور أي مدير عموم أن يُحاسب المقصرين من المعلمين أو المعلمات.. لأن أدوات حماية الموظف باتت أكثر كفاءة من أدوات محاسبته في ظل تآكل الصلاحيات المخولة للمسؤول، وانحسارها في إطارات ضيقة ربما لا تتجاوز المتابعة الآلية للحضور والانصراف.. فيما بقيت مسألة الإنجاز التربوي والتعليمي خاضعة لجدليات عقيمة لا تتيح لأحد أن يُحاسب أحداً.. مما أدى إلى غرق العمل التعليمي في لجّة الحسابات الخاطئة، وأصبح المعيار المستخدم الوحيد لقياس النجاح.. هو حجم الشكاوى!! لذلك لم تعد صلاحيات مديري العموم قادرة على تحريك موظف عتيد من موقعه دون معارك ومواجهات ومكايدات طاحنة.. بعدما تخشبت صلاحياتهم عند دفن رؤوسهم في تلال الأوراق الروتينية اليومية التي يُمكن أن يُنجزها أي سكرتير.. فضلاً عن المساعدين والمعاونين.. وعلى حساب عملهم الحقيقي في مواجهة الاستحقاقات الكبرى لعمليتي التربية والتعليم، حتى فقد هذا القطاع شديد الأهمية حيويته وطغت عليه روح هي أقرب للمهادنات منها إلى روح البناء الحقيقي لثقافة ووعي الأمة كما يُفترض. إدارات التعليم لم تعد إدارات تعليم بقدر ما أصبحت مثل أي إدارة إجراءات.. جل ما تفعله هو مقاومة الوساطات أو الاستسلام لها.. لأن النظام الإداري القائم فيها صار هجيناً ومزدوجاً فلا هي تعمل بسلطة مركزية قادرة على فرض رؤيتها، ولا هي تعمل كنظام مؤسسي تتحد فيه كل تروس العمل لإتمام منظومة إدارية معروفة النهاية.. عملها دائماً مفتوح على كل الاحتمالات لأنه يخضع لما يشبه قراءة الفنجان أو ضرب الودع في ثقافة المشعوذين.. كل ما يجري يُمكن أن يُفسّر حتى ولو بليّ العنق.. المهم أنه قابل للتفسير مهما بلغ من الغرابة.. وحينما تُريد أن تُعيد ترتيب هذه المعادلات بشكل يقارب المنطق أو حتى يتقاطع معه.. تكتشف أنك أمام معادلة أخرى يفتقد فيها المسؤول الأول في الإدارة القدرة النظامية على اتخاذ قرار بحق إقصاء معلم فاشل أو معلمة فاشلة لحماية عشرات الطلاب والطالبات من أوبئتهما. الأنكى من هذا أن مديري تعليم البنات تحديداً وعلى مدى (46) عاماً أي منذ قيام تعليم البنات وهم لا يُمارسون أي عمل تربوي أو تعليمي حقيقي.. فهم في واقع الأمر مجرد مديري شؤون موظفين بمراتب وظيفية واعتبارية أكبر .. وذلك بسبب طبيعة العمل التربوي والتعليمي التي تستدعي أول ما تستدعي وجود المسؤول في وسط الميدان التربوي لأنها العملية الوحيدة التي لا يُمكن الاعتماد فيها كلية على تقارير الآخرين وهو ما لم يكن متاحاً بحكم التقاليد.. مما جعلهم ينشغلون بتلك الهموم الإدارية الصرفة، ليظل الميدان التربوي والتعليمي في هذا القطاع مفتوحاً لاجتهادات المشرفات التربويات.. مما أوجد فوارق ضخمة ما بين مدرسة وأخرى بحكم تعدد الرؤى ومرجعياتها وثقافاتها.. لذلك حينما تم ضم بعض القطاعات في بعض المناطق إلى بعضها اتضحت الهوّة الكبيرة ما بين تلك الإدارات التي لم تتعاط التربية والتعليم على الإطلاق.. حيث واجهت مأزقاً هو أشبه ما يكون بمأزق البحث عن هوية .. بين التربويين القادمين على صهوات نظرياتهم، والإداريين الذين أفنوا زهرة شبابهم وكهولتهم وكل ما يعرفونه عن المدرسة أنها: (فرّاش يحرس الباب ومديرة ومعلمات وطالبات)!! ولأنه ليس لمثلي إلا أن يتمنى فسأظل أتمنى على وزارة التربية والتعليم أن تعيد النظر في نظامها الإداري لإخراج إداراتها من حالة فقدان الهوية.. فهي لا يُمكن أن تشبه أو تتشبّه بإدارات الأحوال المدنية ولا الصرف الصحي أو مكافحة التسول على أهمية هذه الإدارات في وظائفها.. لأنها إدارات تتصدى باختصار إلى بناء مستقبل الوطن (تربية وتعليماً) .. فهل نعي هذا لنعيد صياغتها بما يستجيب وانضمامنا إلى منظومة التجارة العالمية؟!! لنظل نتمنى!! [email protected]