قد تصبح أبكم وأصم وتنبئ عما تريده بالاشارات والايماءات بدلاً من الكلمات والعبارات وذلك حينما تغادر إلى بلد أوروبي لا خلفية لديك عن لغته وقد تسمى حينئذ (بالمعاق حسياً)!. غير أن الموقف قد يتبدل وتمسي ذا قدرات رائعة في التعبير والمشاركة وذلك حينما تغادر وبحوزتك كم هائل من الكلمات والعبارات الملائمة لذاك البلد ويكون بمقدورك كسر حواجز الإحراج والخجل والتحدث بانطلاقية مذهلة مع الآخرين هناك.. ومما أنف ذكره وضرب مثله قد أكون قربت المعنى المراد وحققت المبتغى المأمول الا أن الغوص في الأعماق لا زال هو المطلوب علَّ الطرح يحظى باهتمام قارئ ومسؤول.. ومن هنا أقر بأن فئة (البكم والصم) فئة سليمة من الإعاقة لا خلل فيها ولا بوعيها وإدراكها وانسانيتها المفعمة بالحب، الصفاء والنقاء غير أن قصور الخدمات وقلة الوعي الاجتماعي وشح الإدراك والتعامل الإنساني والاحتواء المسؤول حدا بهؤلاء للعزلة والانطوائية عن المجتمع الا فيما بينهم ما كان سببا باعاقتهم مكرهين والسبب جلي: لأن لغة الإشارة معدومة تماما فيما بين الأبكم الأصم والإنسان العادي واقتصرت عليهم وعلى معلميهم في مراكزهم الخاصة.. والحقيقة أن الأبكم الأصم معذور إن لاذ بعقله بعيدا في احدى زوايا منزله وكفكف دموعه وحيداً بائساً ومحزوناً!! فهو يتساءل: كم من شعور اردت بثه، وكم من رأي سعيت لايصاله، وكم من فرحة وترت وتألمت لأبديها الا أن المتلقين اشد ايلاماً على النفس فهم لا يفهمون! ولو أن التعليم في المدارس العادية عمد لتعليم الطلبة السليمين لغة الاشارة من خلال حصة أو حصتين اسبوعيا لأمكنهم ذلك من اسهاب الحديث واثراء الحوار فيما بينهم وبين البكم الصم ولما نشأت تلك الأزمات والحواجز النفسية العاصفة.. ولاحظ ياسيدي القارئ: «إن الأبكم الأصم يفتقر إلى من يحادثه ويهب لمساعدته في المراكز التجارية، أقسام الشرط، المحاكم، المستشفيات، مراكز التسوق الغذائي، المطاعم وورش العمل.. ولا عجب إن انتكست نفسية الأبكم الأصم من حالة الاهمال تلك وتجرع من القهر والحسرات ما لا نستشعره وما الله به عليم لأنه عاجز عن البوح والمجادلة أو المطالبة بما قد يضفي الراحة على حياته.