لعلنا لا نحتاج إلى جهد كبير لاثبات حقيقة أننا في العالمين العربي والإسلامي، نعيش أزمة حقيقية، تتطلب من كل الجهات العمل على تخليص عالمنا من هذه الآفات والمشاكل وجددت التفجيرات الإرهابية التي استهدفت ثلاثة فنادق في العاصمة الاردنية (عمان) الحديث حول خطورة الإرهاب وآفة التطرف، التي تنم عن مشكلة حقيقية يعانيها عالمنا العربي والإسلامي. فهؤلاء الإرهابيون والقتلة، لم يأتوا من كوكب آخر، وانما هم تعلموا في مجتمعاتنا وتربوا في أجوائنا. وهذا يتطلب الوقوف بحزم ضد هذه الظاهرة الخطيرة والعمياء. ولقد أبانت تفجيرات الاردن، ان الإرهاب أعمى وغدة سرطانية، ينبغي الوقوف أمامها بحزم ووعي في آن. وكفانا إعلاماً وسياسيين ومثقفين من تبرير الإرهاب فالخطوة الاولى في مشروع مواجهة الإرهاب، هي في عدم تبريره. لأن تبرير الإرهاب، وممارسة النقد تجاه هذه الظاهرة ثم اردافها بكلمة لكن. إن هذه العقلية والسلوك التبريري، يساهم بشكل أو بآخر في استمرار ظاهرة الإرهاب واستشرائها. والإرهاب الذي يستهدف قتل المدنيين وتخريب المنشآت وتعويق الحياة الطبيعية للناس، هو واحد في جوهره ومضمونه سواء كان في المملكة أو المغرب أو العراق أو الاردن أو مدريد أو لندن. وبدون الوقوف الحازم تجاه هذه الظاهرة ومحاربة جذورها ومنابتها الحقيقية التي تنتج الازمات وتمده بالبشر والامكانات المختلفة. ستبقى هذه الظاهرة قائمة ومهددة للأمن ومكاسب المجتمعات الحضارية. فالمطلوب محاربة الإرهاب، وانهاء جذوره المختلفة وملاحقة كل العوامل والأسباب التي تفضي اليه. لذلك نعلنها صرخة مدوية، كفانا تبريراً للإرهاب. ينبغي أن نقف بحزم ضد كل المحاولات التي تستهدف وتمارس التبرير لظاهرة الإرهاب. فقتل الأبرياء من أي دين كانوا، جريمة كبرى ينبغي أن نبرئ أنفسنا وديننا منها. وترويع الآمنين وتخريب البنية التحتية لأي بلد وقطع أرزاق الناس فيها لا يوصل إلى غاية نبيلة، بل يساهم في زيادة الأزمات وتفاقم المشاكل التي تهدد الجميع في وجودهم وحياتهم ومحاربة الإرهاب بشكل حقيقي تتطلب التأكيد على النقاط التالية: 1- من البديهي القول: إننا معاً نقف ضد الإرهاب، ونستنكر أية ممارسة إرهابية وعنفية بصرف النظر عن موجباتها وغاياتها. فالعنف مرفوض مهما كانت دوافعه، والإرهاب آفة لا سبيل لتسويغها وينبغي محاربتها في جذورها وأشكالها. ولكن هل الاستنكار وحده كاف لإنهاء هذه الآفة؟ اننا نعتقد أن الاستنكار وحده لا ينهي الآفة، وان المطلوب هو فهم هذه الظاهرة فهما دقيقاً وعميقاً وصولا لبلورة استراتيجية ومشروع وطني متكامل، يستهدف انهاء هذه الظاهرة من جذورها ومنابتها الحقيقية. وإن مشهد الإرهاب المعاصر في الفضاء العربي والإسلامي، تقوده جماعات وتنظيمات تنتسب إلى الإسلام، وترفعه شعاراً ومشروعاً لاجندتها وأهدافها. وحين التأمل العميق في هذه الظاهرة، نكتشف أن القراءة الدينية أو الفهم الديني لهذه الجماعات، هو عامل من عوامل جنوح هؤلاء إلى الأخذ بأسلوب الإرهاب والعنف. وليس معنى هذا، ولا ينبغي أن يفهم منه على حد تعبير (عبدالإله بلقزيز) أن العنف يجد جذوره أو مرجعه في العقيدة الإسلامية بل معناه أن نسق القيم المتشبع بالدين لدى المجتمعات العربية يجد نفسه أحياناً في صراع مع منظومات جديدة من القيم، ويجد عسراً في التكيف معها، فيرجمها قسم من المجتمعات بالبدعة والانحراف عن محجة النظام الديني والأخلاقي، فيما يجنح بعض منهم إلى انتداب النفس لدور رسولي، فتراه يكفر المجتمع الجاهلي الجديد، وينصرف إلى انفاذ الأمر الإلهي بوجوب اقامة الحد على الضلال، وتحديداً من عتبته القصية: الجهاد. من هنا لا علاقة للدين بالأمر إلا من حيث هو نصوص ووقائع قابلة للتأويل، اما إذا كان ثمة خلل، فالبحث فيه ينبغي أن ينصرف إلى صاحب التأويل، وإلى ظروف هذا التأويل. وعليه فإن المطلوب وبشكل ملح، هو رفع الغطاء الديني عن كل تلك الممارسات والعمليات الإرهابية. فالذي يقتل الأبرياء ليس مسلماً، والذي يدمر المنشآت الحيوية ليس مجاهداً، والذي يروع الآمنين ليس مصلحاً. فالمهمة الأولى في مشروع محاربة الإرهاب، هو رفع الغطاء الديني عنه، بصراحة تامة لا تقبل التأويل أو المداراة. وذلك لأن سكوت وصمت العلماء والمؤسسات الدينية عن هذه الجرائم، يؤدي إلى استمرارها وتشجيعها. بينما قول كلمة الحق ورفض هذه العمليات الإرهابية بكل أشكالها، يرفع الغطاء الشرعي عن القائمين بها، ويساعد في تحشيد طاقات كل المجتمع نحو نبذ ومحاصرة ظاهرة الإرهاب. 2- يعيش الواقع العربي اليوم محنة جديدة، حيث التشويه المتواصل للدين الإسلامي بكل تشريعاته وقيمه ورموزه التاريخية من جراء العمليات الإرهابية والممارسات العنفية التي تجري اليوم في مناطق عديدة من العالم. وتتغذى عمليات التشويه من رافدين أساسيين وهما: الأحقاد الغربية التاريخية، حيث تسعى بعض الفئات والمؤسسات والشخصيات في الغرب إلى الإمعان في تشويه الدين الإسلامي، وربطه بصور وممارسات العنف والإرهاب التي تجتاح العالم اليوم. والجماعات الإرهابية في الداخل العربي والإسلامي، حيث ان الأعمال الإرهابية التي تقوم بها جماعات العنف والإرهاب في العالمين العربي والإسلامي، تساهم بشكل مباشر في تشويه سمعة الإسلام واختطاف حقائقه الحضارية والإنسانية. لذلك تتأكد الحاجة اليوم - على الصعيدين الإسلامي والإنساني - إلى العمل على فك الارتباط بين جماعات العنف وأعمالها الإرهابية ومبادئها الفكرية والثقافية التي تسوغ لها ممارسة العنف والإرهاب، وبين حقائق الإسلام وتشريعاته الشاملة، التي تنبذ الإرهاب، ولا تشرع القيام بأعمال عنيفة ضد الإنسان ومكاسبه الحضارية. 3- إننا مع إيماننا المطلق بأهمية أن يأخذ الإرهابيون جزاءهم القانوني، ويحاكموا على الجرائم الفظيعة التي ارتكبوها بحق الوطن والإنسانية جمعاء. إلا أننا في نفس الوقت نعتقد وبشكل جازم ان هذا وحده لا ينهي ظاهرة الإرهاب. لذلك من الضروري التفكير في مشروع وطني متكامل لمحاربة ظاهرة الإرهاب. بحيث تتم محاصرة ظاهرة الإرهاب من جميع الأبعاد. فالملاحقات الأمنية وحدها لا تقضي على الإرهاب، كما أن الاجراءات القانونية والتوعوية لا تنهي كل الأسباب. إننا بحاجة إلى رؤية متكاملة، تشترك فيها كل الجهات والمؤسسات للقضاء على هذه الآفة الخطيرة. فالمؤسسات الإعلامية والثقافية، لها دورها الحيوي في مشروع المواجهة، كما أن للمسجد والمؤسسات والمعاهد الدينية وظيفة أساسية في هذا السياق ومؤسسات المجتمع المدني بامكانها القيام بدور مركزي على هذا الصعيد أيضاً. فالدولة بكل مؤسساتها معنية بمشروع محاربة ظاهرة الإرهاب، كما أن المجتمع بكل فئاته وشرائحه ومؤسساته له وظيفة في هذا الاطار.. وبهذا تتكامل المعالجة الأمنية مع الثقافية والسياسية والاقتصادية للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة.. فلا يمكننا انهاء هذه الآفة الخطيرة من فضائنا العربي والإسلامي إلا بتكاتف كل الجهود لتفكيك كل الأوعية والحوامل التي تحتضن هذه الظاهرة وتنتج عناصرها البشرية. فالإرهاب كظاهرة وممارسات، لم يستثن أحداً ومجابهته ومحاربته، تحتاج إلى جهود ونشاط الجميع. وان نشاطنا وخططنا في محاربة الإرهاب ينبغي أن لا تكون موسمية ومرحلية، إننا مطالبون لانهاء هذه الظاهرة من جذورها. وهذا بطبيعة الحال لا يتم بين عشية وضحاها، وانما هي بحاجة إلى مدى زمني وعمل متواصل ومتعدد الأبعاد لانهاء هذه الآفة من مجتمعنا. وآن الأوان بالنسبة لنا جميعاً لرفع شعار ومشروع لا لتبرير الإرهاب، نعم لمقاومته ومحاربته على جميع الصعد والمستويات. وإن اللحظة التاريخية التي نعيشها اليوم، هي لحظة تعبئة الطاقات وحشد الامكانات لانهاء هذه الظاهرة من ثقافتنا وبيئتنا ومجتمعنا. فلا خيار أمامنا، إلا خيار محاربة الإرهاب، لأنه كلفنا الكثير، وأي تراجع عن محاربته وانهاء جذوره، سيكلفنا الكثير أيضاً. لهذا كله فإن محاربة الإرهاب ووفق رؤيتنا وأجندتنا ومصالحنا، هي من أولوياتنا الوطنية العاجلة.