فرض الوضع السياسي والاقتصادي والأمني في المنطقة نوعاً من الحتمية في العلاقات بين الرياض وأبوظبي، فالبلدان اللذان يتشاطران اهتمامات ومصالح مشتركة عازمان على أخذ زمام المبادرة سوياً بشكل يمكن معه إدارة ملفات المنطقة المتأزمة، ويتواءم ومعطياتها ونتائج الأحداث التي تمر بها. وشكلت تلك الأزمات اختبار قدرات وتحملاً شديد الوطأة على المنظومة الخليجية بشكل عام، وكان للمملكة والإمارات دور حيوي وحافز في الدفع بالحلول والمبادرات السياسية والأمنية لمعالجة تعثرات المنطقة العربية عموماً؛ والخليجية بوجه خاص، بشكل ينم عن وعي وإدراك بالتحديات التي تمر بها منطقتنا، وخاصة التهديدات الاستراتيجية التي قد تمس السيادة الخليجية. ولأجل ذلك مارست كل من الرياض وأبوظبي قدرتهما على التأثير في دوائر صنع القرار الإقليمية منها والدولية، وانتقلا بشكل سريع تجاه تعاون أكثر فعالية وديناميكية، فملفات المنطقة ملتهبة، والتنسيق دون فعالية أو تفعيل لمخرجاته وترجمته واقعاً لا يبدو مجدياً في وقت لا يعترف بالتسويف. التحولات الخطيرة في المنطقة وإعادة صياغة تحالفات القوى الفاعلة وضبابية المواقف التي سادت المشهد السياسي الإقليمي والدولي وما نتج عنها من تسويات وصفقات كلها عوامل ساهمت في التفكير بمآلاتها وتداعياتها على دول الخليج التي رأت في بعض ما حدث مهدداً لها ويتعارض مع مصالحها، لذا كان التعاون السعودي - الإماراتي في طليعة الجهد الإقليمي الواضح اليوم، دون الإقلال بباقي العمل المنجز لدول الخليج التي أسهمت بشكل فعال وإيجابي في الفعل السياسي الحاصل في المنطقة. إن المتابع فقط لتوحيد المواقف السياسية والأمنية والاقتصادية بين الرياض وأبوظبي يدرك انعكاس ذلك على المستوى الشعبي وحالة التقارب والانسجام التي فرضتها من قبل معايير التصاهر والتماس الجغرافي لتتعزز وترسي تقارباً من نوع مختلف نراه مترجماً في حجم حركة المنافذ البرية والجوية بين الدولتين، والحماس والجرأة بين النخب الاقتصادية في الإقبال على الاستثمار في قطاعات التجارة المتنوعة، ولهذا الانسجام انعكاس كبير على الأداء السياسي والعلاقات بين العاصمتين الخليجيتين فغدت متجذرة ومتعمقة ومحصنة بشكل أكبر. لقد منحت المنطقة كلاً من الرياض وأبوظبي دورساً يجب أن نستوعبها ولا ننساها لتبقى في ذاكرتنا وذاكرة من بعدنا، ولأجل أن يبقى هذا الدرس عصياً وراسخاً فإن أنجع وأقوى حبر يُكتب به هو دم شهداء المملكة والإمارات الذين اختلطت دماؤهم في أرض اليمن.