تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة، بذكرى يومها الوطني الثالث والأربعين الذي يصادف الثاني من ديسمبر في كل عام، ولعلنا ونحن نستقبل هذه المناسبة الوطنية المهمة، لابد لنا من التوقف ملياً، عند العلاقات الأخوية التي تربط بين هذه الدولة الفتية، والمملكة العربية السعودية التي تعد واسطة العقد في مجلس التعاون الخليجي، بما تمثله من ثقل سياسي وديني كبير، استطاع ان يجمع حوله ملايين المسلمين والعرب. والحديث عن العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى، يشبه الحديث عن علاقة الأشقاء الحميمية، بما تحتويه هذه العلاقة من ألوان الحياة ودفئها على اختلافها، والتي تنصهر في النهاية في لون واحد هو المحبة والمسؤولية معا، هذه الحالة الصحية هي في الواقع حال العلاقات بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الشقيقة، التي تتشاطر معها الكثير من الهموم والامال، في بيت الاسرة الخليجية الواحد، لا سيما وان دولة الامارات العربية المتحدة الفتية المتطورة، ارتبطت منذ قيامها بعلاقات اخوية مع المملكة، وطدتها اتفاقيات مهمة كثيرة وكبيرة، ذات طابع اقتصادي واجتماعي مميز، حيث ان هناك تطابقا في مواقف البلدين المتسقة تجاه ما تتعرض له المنطقة العربية من أخطار كبيرة تفرضها التطورات الدراماتيكية في المنطقة والعالم، ويأتي في مقدمتها كما هو معروف خطر التطرف والإرهاب ويعملان معا من أجل بناء استراتيجية مواجهة عربية مشتركة وفاعلة لهذه الأخطار من منطلق وعيهما بالمسؤولية التاريخية الملقاة عليهما وما تنتظره منهما الشعوب العربية من دور فاعل في التصدي لما يعترض المنطقة من تهديدات تستهدف أمنها واستقرارها ووحدة دولها وتعايش شعوبها. ويمكن وصف العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بأنها استراتيجية بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، حيث يبدو جليا تناغم وتوافق الرؤى تجاه القضايا الإقليمية والدولية والوعي بخطورة التهديدات والتحديات المصيرية المحيطة بالمنطقة، والتي من شأنها ان تدفع بدولها الى التماس انجع السبل للتعاون والتكامل فيما بينها، من اجل تشكيل سد منيع يستطيع الوقوف امام التيارات الجارفة التي تتهدد المنطقة على اكثر من صعيد. ومن يتتبع سير العلاقات بين البلدين يلاحظ بسهولة كيف انها تشهد تطورا نوعيا في مختلف المجالات، وان هذه العلاقات لم تكن في الواقع الا ترجمة لتاريخ طويل من التعاون الاقليمي بين البلدين الشقيقين، اللذين ادركا مبكراً أهمية التنسيق والتعاون بين الدول العربية عامة، ودول مجلس التعاون الخليجي بصفة خاصة. وإزاء ما تتعرض لها المنطقة العربية من تجاذبات وتعارضات تفرضها المصالح الاقليمية والدولية، يبدو أن الرهان الحقيقي سيكون مبنياً في المستقبل على التعاون السعودي الإماراتي من اجل حماية المنطقة مما يحاك لها، وسعيا للاستقرار والأمان والسلام فيها، لا سيما وان ما يربط البلدين من علاقات تاريخية واجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية يجعلهما اقرب الى التآلف، خاصة وان الثقل الذي تمثله المملكة العربية السعودية، من شأنه ان يدفع الى نجاح اي تعاون ثنائي بين دول الخليج العربية، التي تعد تجربتها السياسية، في اطار مجلس التعاون الخليجي من أكثر التجارب حضورا ونجاحاً على الساحة العربية، والاقليمية ايضاً. حيث ان مجلس التعاون الخليجي يبدو حتى الآن رغم كل الإشكالات التي برزت في تاريخه يبقى المؤسسة الأكثر تأثيرا في هذه المنطقة، بما يمثل من تناغم سياسي واقتصادي واجتماعي بيد دوله، الأمر الذي يجعل منه مركز أمل حقيقي ليس لمنطقة الخليج بل للمنطقة العربية برمتها، ولذلك يأتي التنسيق السعودي الإماراتي، والتعاون المشترك بين كل من الرياض وأبو ظبي ليشكل بجدارة عنوان المرحلة الجديدة في العالم العربي، لا سيما وان هذا التنسيق والتعاون يرتكز في الواقع الى جذور تاريخية وثقافية عميقة، يزيد من متانتها البعد الاسلامي ايضا، ويظهر ذلك جليا من خلال علاقات الود والمحبة والتعاون بين الشعبين الشقيقين، وهو أمر ساهم في ايجاد صيغة جلية لتعاون اقتصادي ايضاً، تجلى في وجود الكثير من الشركات السعودية التي وجدت ضالتها في رحاب الامارات التي اصبحت مصدر جذب ومناخ صحي، تماماً كما وجدت بعض الشركات التجارية الاماراتية في المملكة ساحة مهمة لنشاطاتها ضمن الاتفاق بين الأشقاء، وهذا الواقع لابد ان يجد مصالح مشتركة بين الشعبين الشقيقين، ويقوي من وشائج العلاقة بينهما، وبالتأكيد أن تداخل المصالح والعلاقات الشعبية بين هذين البلدين العربيين، يجعلهما حريصين جدا على استمرار العلاقات الاخوية بينهما، وهو ما وجود اللجنة العليا المشتركة للبلدين الهدف لتحويل هذه العلاقة الى علاقات اقتصادية مؤسساتية تشمل مختلف جوانب الحياة من اقتصادية واجتماعية وثقافية، وإذا رجعنا الى التاريخ قليلاً، نستطيع ان نتلمس تلك الروح الاخوية التي كانت تربط الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله - بالمملكة العربية السعودية، مثلما تربط هذه الروح ايضا القيادتين في الوقت الراهن، نظرا لإيمانهما بالجذور التاريخية العميقة لهكذا علاقة، واهمية تعزيزها من اجل البلدين معاً والمنطقة كافة، والحقيقة التي لابد من التوقف عندها هي ان الامارات كانت على الدوام السباقة، لتفهم ومساندة الاراء والمواقف الحكيمة للقيادة السعودية ولا سيما فيما يتعلق منها بأمن منطقة الخليج والعالم، ومن هنا تاتي مساندتها للدعوة التي اطلقها خادم الحرمين الشريفين من اجل حوار الاديان واهميته للانفتاح على الاخر، وإغلاق بؤر التوتر العالمية من اجل عالم اكثر امانا وسلاماً، كما ان اطلاق اسم خادم الحرمين الشريفين على احد اهم شوارع العاصمة الاماراتيةابوظبي مؤخراً يدل على مدى التقدير والاحترام الذي يحظى به خادم الحرمين الشريفين في الامارات، ويبين مدى محبة الاماراتيين، وقربهم من المملكة العربية السعودية باعتبارها الشقيق الخليجي الاكبر، ومن هنا كان دعم الامارات القوي للمواقف السعودية في محاربة التطرف والارهاب والتشجيع على الحوار بين الحضارات والثقافات. وهنا لابد من التذكير بأن الفرص الموجودة في العلاقات السعودية الإماراتية كبيرة وتبقى واعدة نظرا لثقل الدولتين في الاسرة الخليجية، وتقارب وجهتي نظرهما ازاء الكثير من القضايا المصيرية للخليج والعرب بشكل عام، وتبين الاتفاقية الاطارية الاستراتيجية بين مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة وشركة ابوظبي لطاقة المستقبل ان التنسيق والتعاون بين البلدين، ربما يكون فاتحة تعاون بين الكثير من دول المنطقة ولا سيما الخليجية منها، زد على ذلك ان العلاقات القوية والاستراتيجية بين الإمارات والسعودية إضافة إلى أنها تصب في دعم المصالح المشتركة وتعزيزها فإنها تمثل ركنا أساسيا من أركان الأمن الجماعي في مجلس التعاون لدول الخليج العربية من ناحية والأمن القومي العربي من ناحية أخرى، حيث تبدو مهمة اثر التنسيق بين البلدين في استباق اي خطر يحدق بالمنطقة من خلال مواجهته بخطوات مدروسة وبعيدة عن التشنج والتسرع. كما ان العلاقات القوية والاخوية بين الدولتين تأتي بفضل القيادة الحكيمة التي ينتهجها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز "حفظه الله" وأخوه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة "حفظه الله" اللذين وضعا نصب اعينهما مصلحة بلديهما والامة العربية والاسلامية. اخيرا وليس اخرا لابد من القول ان تجربة العلاقات الاماراتية السعودية تعد ملمحا ناجحا بامتياز، واسلوب عمل سياسي واقتصادي مهم، اذا ما اردنا ولوج العالم بخطاب سياسي وسياسات اقتصادية وثقافية قوية وواعية، تستلهم قبل كل شيء خير هذه الامة ومصالحها. وكل عام والإمارات والمملكلة ودول الخليج بألف خير.. والله يوفق الجميع ويبعد الأذى والشر عن دولنا وشعوبنا، لكي تنعم بالأمن والأمان والإستقرار.