في قلب المحافظة الشرقية البعيدة لليمن في وقتٍ ما العام الماضي، خطفَ مسلحون تابعون لتنظيم القاعدة مهندس النفط البريطاني روبرت سيمبل واحتجزوه رهيبنةً لمدة أربعة أشهر في اليمن، حتى تمكنت القوات الإماراتية من فك أسرهِ وإنقاذه وإيصاله إلى بلادهِ بأمان. تحرير سيمبل لم يكن –فقط- لحظة سرور وسعادة لأسرتهِ وأصدقائه، بل مؤشر على قرب صلة الشراكة بين الإمارات والغرب، والتأثير المتنامي لذلك على الحرب العالمية ضد الإرهاب. لمْ تتردد الإمارات في استعراض قواها العسكرية بوجه التهديد الإرهابي خلال العقد الماضي، فقد وظّفت القوى العاملة والمصادر في مناطق مختلفة من العالم، وأحياناً بالتعاون مع الغرب من أجل محاربة الإرهاب. لقد حاربت الإمارات العربية المتحدة الإرهاب الطالباني في أفغانستان، وتنظيم الشباب في الصومال، وحتى الإرهابيين في مالي البعيدة. في اليمن، وقرب الديار، انطلقت الإمارات في مهمتها القتالية الأكبر من أجل وضع حد للتدخل الإيراني وتمدد القاعدة وداعش في شبه الجزيرة العربية. إنّ الإمارات هي عضو في التحالف الدولي ضد داعش، وإنّ دورها في التحالف ليس تكميلياً؛ إذْ إنّ الإمارات شاركت في الحملة الجوية ونفذت غارات في العراق وسورية أكثر من أي دولة أخرى في التحالف باستثناء الولاياتالمتحدة. إنّ الإمارات العربية المتحدة تواجه الإرهاب بالجدية نفسها في الداخل أيضاً، فقد مررت الحكومة الإماراتية مرسوماً حكومياً يحدد تعريفات موسّعة للاعتداءات الإرهابية وتفرض عقوبات صارمة عليها. تحت بنود هذا القرار، تمكّنت السلطات الإماراتية من الكشف عن عشرات الخلايا التي تدعم داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام. إنّ البيئة الماليةالإماراتية التي تمزج بين التجارة المعاصرة والثراء المتوارث، هي واحدة من أكثر البيئات المالية تحرراً؛ ممّا قد يهيئ لها أنْ تكون مقرّاً سريّاً للتمويل الإرهابي. قامت الحكومة الإماراتية بتعزيز استخباراتها المالية من أجل إيقاف تدفق التمويل المشبوه من قبل أفراد يستغلون سهولة الحوالات المالية والشركات التجارية لدعم النشاطات الإرهابية. علاوة على ذلك، فإنّ للإمارات العربية المتحدة فريق عمل مشتركاً وراسخاً مع الولاياتالمتحدة يسمح بتبادل المعلومات، ومنع نشاطات السوق السوداء للإرهابيين ودخولهم إلى النظم المصرفية العالمية. ربما الإشارة الأوضح لالتزام الإمارات بمكافحة الإرهاب ليست في فعالياتها خارج العراق، أو العقوبات الصارمة المفروضة في الداخل، بل في قواها الناعمة، أي قدرة الإمارات على تناول مشكلة التطرّف من زوايا عدّة. تستضيف الإمارات مبادرتين من بين الأكثر حيويةً في المنطقة لمكافحة التطرّف التكفيري. مركز هداية في أبو ظبي يجمع المهنيين ونشطاء المجتمع المدني والأخصائيين التقنيين والخبراء الأكاديميين؛ من أجل إقامة ورش تدريب وحوار وبحث في طرق مكافحة الخطاب المتطرّف العنيف. كما أسست الإمارات بمشاركة الولاياتالمتحدة مركز «صواب» هذا العام، وهو أول برنامج متعدد الجنسيات مصمّم لمكافحة بروباغاندا داعش، وتوفير منبر للمسلمين المعتدلين من أجل إدانة التفسيرات الدينية المغالطة لداعش. إنّ قصة الإمارات هي قصة ملهمة. لقد بدأت هذه الدولة بمستوطنات قبلية ساحلية وأصبحت –اليوم- الملتقى العالمي الأكثر نشاطاً للتجارة والدبلوماسية والثقافة. تمكنت الإمارات –بمهارة- من موازنة المصالح الأمنية بالوطنية مع التقاليد الإسلامية الغنية، لتصبح جزيرة نادرة من الاستقرار، وسط فوضى متزايدة في الشرق الأوسط ما بعد الانقلابات. يسميها كثيرون ب"سويسرا الشرق الأوسط"؛ إذْ يتمتع البلدان (سويسراوالإمارات) بمعايير عالية للعيش وقطاعات مالية متقدمة واستقرار داخلي. ولكن الإمارات تختلف عن نظيرتها الأوروبية في أنّها لا ترسم الحيادية تجاه التهديدات القائمة أمام السلم العالمي. لقد بيّنت إسهاماتها خارج الحدود وقوانينها الجديدة ومنشآتها التي تكافح التطرّف، إنّ دولة الإمارات العربية المتحدة تتحمس لمحاربة الإرهاب، وهي قادرة على ذلك أيضاً. *مدير برنامج مكافحة التطرف والإرهاب -جامعة جورج واشنطن **باحث وخبير في شؤون الإرهاب