رحم الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز فقد كان رجل مواقف وحكمة فطرية إذ كثير من أقواله وأفعاله تثبت يوماً بعدآخر بُعد نظره. ربما لم يحارب الإرهاب زعيم مثله ليس فقط في ميادين المواجهات المباشرة فهو كما عُرف عنه فارس شجاع لا يهاب المواجهة ولكن ايضا في مطالباته الدائمة بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب. لم يتحمّس المجتمع الدولي آنذاك لتلك الدعوة ظنّا منهم بأنها حكاية عابرة يمكن لها أن تنتهي حيثما بدأت لكن الرجل الحكيم استمر في تحذيره لدرجة أن توقّع وصول يد الإرهاب لأوربا وأميركا خلال أشهر معدودة. وحدث ما حذّر منه رحمه الله. وصل التوحش الى فرنسا وضرب بقوّة ما أعاد للأذهان تحذير الملك الراحل وبُعد نظره فماذا ستُخبئ الأيام من أحداث؟ رحل الملك الحكيم وبقيت وصاياه التي حان وقتها وهذا هو محور حديثي اليوم. إن أي متابع ومُهتم بظاهرة الإرهاب لابد وأنه قد قرأ عن الإجراءات التي اتخذتها الولاياتالمتحدة الأميركية بعد الهجوم على برجي مركز التجارة الدولية بمنهاتن ومقر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) المعروفة بأحداث 11سبتمبر 2011م. لقد شكّل الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الابن فريقا باسم (لجنة 9/11) لوضع استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب. خرجت هذه اللجنة بتوصيات عدّة أهمّها ما يتعلّق بالشق الفكري حيث سخّرت الحكومة الأميركية أذكى العقول وأنضج الخبرات الوطنية وأكثر مراكز الأبحاث الاستراتيجيّة وأدوات استشراف المستقبل تقدماً وجعلت من تلك المراكز اساساً مركزياً للتعامل الاستراتيجي مع الإرهاب ووجهت مخازن الفكر في سياق جهدها الحربي والفكري والاستراتيجي لفهم ما أصاب بلادهم ومجتمعهم. بالإضافة الى تجنيد كافة فعاليات المجتمع المدني والإعلام والنخب السياسيّة والثقافية والفعاليات الشعبية في سياق مكافحة الإرهاب وقد تفاعل المجتمع بجدّية مع هذه الجهود على كافّة الأصعدة. هذا ما حدث في أميركا ماذا عنّا هنا في بلادنا التي عانت وما زالت تعاني من وجود هذا الفيروس الخبيث الذي لن ينفع معه التداوي بمُسكنات إذ لابد من الاجتثاث من الجذور وهذا يتطلّب عملا طويلا ومتشعبا؟ أولى الخطوات في هذا الاتجاه وضع استراتيجية وطنية شاملة تدرس المناخات والظروف والعوامل التي تُغذي الارهاب من الداخل، وتفرّخ الارهابيين وتُجنّد المتعاطفين ثم تضع الخطوات التنفيذية واللقاحات المضادة لوقاية الوطن من هذا الفكر المتوحش وتمنع إعادة إنتاجه وتُحدد في نفس الوقت مسؤوليات مختلف الأجهزة والمؤسسات وكذا الافراد ثم تتابع وتُقيّم النتائج. من سيقوم بمهمة كهذه؟ قد لا يعرف البعض عن وجود مركز لأبحاث مكافحة الجريمة يرتبط بوزارة الداخلية مهمته الرئيسة (حسب موقع المركز الالكتروني) دراسة الأسباب والظروف التي ينشأ عنها السلوك الإجرامي والانحراف السلوكي، ثم يحاول تفسير آليات السلوك المنحرف لكي يمكن إعداد وتنفيذ برامج الوقاية المبنية على المعرفة المنهجية والعلمية، ومن ثم التحكم بالسلوك الإجرامي المُعقّد وضبطه. هانَتْ إذاً.. تُضاف للمركز مسؤولية القيام بدراسات ظاهرة الإرهاب ليصبح مركز أبحاث مكافحة الجريمة والإرهاب فهل تفعلها وزارة الداخلية ونصطاد أكثر من عصفور برمية واحدة؟ لمراسلة الكاتب: [email protected]