لا تصف الكلمات حجم حزننا وفجيعتنا في اغتيال مبدع العرب المخرج مصطفى العقاد، وقد يكون اغتياله باسم الإسلام هو أكثر ما أحزننا، ذلك الرجل الذي وظف الفن لخدمة الإسلام ونشر قيمه التي لا يفقهها مدبرين هذه الأعمال المدمرة للأرض والبشرية، وكانت أفلامه مرجعاً لكثير من الناس منهم الطلاب الذين يسترجعون أحداث الأفلام وشخصياته ليسجلوا اجابتهم من خلاله عندما عجزت عقولهم عن تذكر المعلومة الموجودة في الكتب!! وهذه قدرة الأفلام التاريخية والوثائقية المميزة وهي السكن في صندوق معلوماتك الذهنية بوضوح تحضر بهدوء وانسياب متى أردتها وبهذا امتاز العقاد، فلم يكن شخصاً عادياً وتمنينا أن يكون له طلاب وتلاميذ يزرع فيهم شعلة حماسه وبعد نظره وجلده في العمل وعمقه في التفكير ورهافة إحساسه الفني، لم يكن صعباً عليه أن يخرج مئات الأفلام كغيره من العاملين في هذا المجال فهو سيريح نفسه عناء البحث وسؤال التمويل إلا أن تميزه أغلق في وجهه هذا الباب السهل أو الأسهل، ومن يقدم مثل عمر المختار والرسالة كيف له أن يقدم أعمالاً أقل جودة، مع أننا كجمهور نتمنى أن يوجد مثل العقاد بالآلاف حينها ستكون معرفتنا بتاريخنا كمعرفتنا بأسمائنا. المجاهد عمر المختار يكاد يكون شخصية مجهولة لدى الكثيرين وبفضل الفيلم تعرفنا عليه وعشنا معه، مصطفى العقاد سجل في أذهاننا تاريخاً مفصلاً أحسب لو قرأنا عشرات الكتب لما وصلنا لهذه الدرجة من المعرفة في شخصيات أعماله، ولعب فيلمان من أفلامه ما لعبتها عشرات الأفلام المصرية على سبيل المثال لتغرز في عقولنا ونفوسنا تاريخها الذي نعرفه أكثر من تاريخ أي دولة اخرى بفضل أفلامها. رغم أنه مضى زمن طويل ونحن نسمع العقاد - يرحمه الله - يتحدث عن رغبته في ايجاد ممول لعمله فيلم صلاح الدين والأندلس لم يداخلنا الشك في هذا العزم بل كنا نتحرى أن نرى تاريخنا من خلال عدسة العقاد فنحن نعلم أنه سيكفينا عناء البحث والتفتيش في التاريخ وسيقدمه لنا بصورة تجعلنا نشعر أننا عشنا ذاك الزمن فإن بعدت عيناك عن الشاشة ومعالم ذاك الزمن فأين سيذهب سمعك من الموسيقى المتنوعة والمتغيرة حسب خطوات السير والالتفات بنسق منساب وممتع فلن تشعر بنشاز موسيقي أثناء تحولاتها وتغيراتها فلكم تمنينا أن نرى فيلم الأندلس لنتعرف من خلاله على جمال التراث الأندلسي بما فيها الموسيقى التي يجهلها معظمنا رغم أنه - يرحمه الله - لم يتحدث عن هذه المسألة ولكن ذاك المبدع ومن خلال تجربة فعلية لفيلميه لم تترك حاسته المرهفة شيئاً من النواحي الفنية إلا وقدمته بطريقة العقاد الخاصة، ما أكبر المكان الذي تركه العقاد وأوحشه في عالم الفن في زمن كثر فيه الغث وأصبحت التفاهات الفنية سيدة المجالس والشاشات وأضحى المبدع هو الأقدر على ترويج نفسه بأقواله!! موت العقاد سيفتح الباب أمام من يحسن الظن بنفسه بأنه سيد زمانه وهم كثر ليصبوا علينا لهيب أعمالهم معتقدين انه زلال الفن، كان العقاد ورقة رابحة نضعها أمام المتحذلقين وكنا ننتظر بقية أفلامه لتزداد ورقتنا قوة ولكن... لم يبق لنا سوى هذه الافلام كشاهد ومرجع حقيقي عن وجود فنان عربي حقيقي سخر الفن لهدف سام. وتجربة العقاد شاهد حقيقي أن قيمة العمل في بعض الاحوال لا تكون بأعدادها وكمياتها فهناك فيلمان يعادلان آلاف ما يسمى بالأفلام. هناك مقولة يرددها أجدادنا عندما يرون عائلة أو مجموعة يخرج منها الشر والضرر ونقول الآن مثل قولهم لهذه الجماعات الخاذلة للإسلام (الله يقطع الداب وشجرته).