جاءني يوما رجل مع أمه، تشتكي والدته من ألم وتقلصات في بطنها مع شعور بانتفاخ في المعدة مع تناوب بين الإسهال والإمساك المصحوب بمخاط في البراز بدأ معها قبل بضعة شهور قليلة. لقد كانت أم محمد (وهذه كنيتها) مثالا للأم الصحيحة السليمة ذات النفس والجسد المعافين والتي خدمت زوجها وأولادها على أكمل وجه، دون أن تئن أو تتألم يوماً بل ولم تصب بأي مرض من أمراض العصر السكري والضغط. وما طرأ عليها شيء مستغرب بالنسبة لها شعرت به مع مرض زوجها الذي توفي منذ شهور قليلة لا تتجاوز السبعة أشهر. أخبرتني أم محمد أنه في معظم الأحيان تعاني من أعراض وعلامات خفيفة تدل على الإصابة بالقولون العصبي وفي فينات أخرى تكون الأعراض شديدة جداً. ولا تستطيع أم محمد أن تحدد أسباباً لهذه التقلصات ولكنها ذكرت أن انقباضات الأمعاء القوية تزداد عند تناول أطعمة معينة مثل الشكولاته والحليب والتي تسبب إسهالاً في معظم الوقت ولكن قد يصاحب تناولها حدوث الإمساك أحياناً. ولاحظت أن المشروبات الغازية وبعض الخضراوات والفواكه تؤدي إلى الانتفاخ وعدم الراحة. لم تلاحظ أم محمد نزولا في وزنها ولا خروج دم مع برازها. وأكثر ما يزعج أم محمد هو تغير مزاجها العام بعد وفاة زوجها، فهي تشعر بالحزن في أغلب الأوقات وأصبحت تغضب بكل سهولة. عند فحص أم محمد وجدت عليها علامات الحزن والاضطراب وعدم الارتياح ولم أجد في فحصي لبطنها وجود أي علامة من علامات الأمراض السارية الحادة أو المزمنة. طمأنتها وطلبت لها منظارا للقولون وتحليلي دم وبراز. عملت أم محمد الفحوصات المطلوبة ولم يتبين وجود أي مرض عضوي وتم تشخيصها على أنها مصابة بالقولون العصبي وأُعطيت العلاج اللازم. في الحقيقة إن متلازمة القولون العصبي هي واحدة من أكثر اضطرابات الجهاز الهضمي شيوعاً. تذكر بعض التقارير أن خُمس أفراد المجتمع مصابون بهذا المرض، أي أن حوالي عشرين شخصا من كل مئة شخص ممن حولك مصابون بهذا المرض. وفي أميركا وحدها تدل الإحصائيات على أن هذا المرض هو السبب وراء ثلاثة ملايين زيارة للطبيب في كل عام، وأن نصف مراجعي عيادة القناة الهضمية وعيادات جراحة القولون والمستقيم هم مرضى القولون العصبي. فمتلازمة القولون العصبي عبارة عن اضطراب مزمن في وظيفة القناة الهضمية وخاصة الأمعاء الغليظة (القولون)، ينتج عنه انتفاخ وآلام في البطن، مع صعوبة في التبرز. يتميز هذا المرض بأنه ليس ناتجا عن أي خلل مرضي، أي أن الأعراض ليست بسبب التهاب أو جراثيم أو أورام أو غير ذلك، إنما هي ناتجة عن تقلصات واضطراب في حركة الأمعاء. وهو مرض مزمن ومتكرر، يستمر مع الإنسان لسنوات طويلة، وقد يبقى معه طول عمره. لذا يجب السيطرة عليه على المدى البعيد. لا يُعرف بالضبط سبب هذا المرض، ولكن يعتقد انه يرجع إلى عدة عوامل وراثية وبيئية ونفسية. تحدث اضطرابات الأمعاء والأعراض الأخرى مثل الإسهال أو الإمساك وآلام البطن المتكررة وتتردد وتزداد في فترات معينة، وتخف في أخرى، أو تزول لفترة معينة، وتظهر مرة أخرى فيما بعد. يلاحظ معظم المرضى أن الأعراض تزداد مع القلق واضطراب الحالة النفسية، ويشعرون بالتحسن أثناء الإجازات، وفي فترات استقرار الحالة النفسية. فالعلاقة وطيدة بين الحالة النفسية ومتلازمة القولون العصبي، حيث إنه وُجد أن الأشخاص الذين يعانوا من القولون العصبي يعانون من معدلات عالية من مستويات السيروتونين وهي مادة كيميائية لها دور كبير في وظائف الجهاز الهضمي. كما أن من الملاحظ أن المرضى الذين يعانون من اكتئاب، يعانون من القولون العصبي بنسبة أكبر من الأشخاص الآخرين. وأيضاً يلاحظ أن معظم مرضى القولون العصبي، الذين يكثرون من التردد على المستشفى، يعانون أيضا من الاكتئاب أو القلق والخوف من الأمراض الخطيرة. بينما نجد أن مرضى القولون الذين لا يعانون من هذه الاضطرابات النفسية، لا يحتاجون كثيرا إلى مراجعة الطبيب، مما يدل على أن الذي يدفع مريض القولون إلى كثرة التردد على المستشفى هي المعاناة النفسية التي تصاحب المرض. وهؤلاء المرضى غالبا ما يحتاجون إلى مراجعة الطبيب النفسي. أخي المتابع، إن كنت ممن يعانون من القولون العصبي وأكد لك الطبيب بأن مرضك هو القولون العصبي، فهذه مجموعة من الحقائق والنصائح والإرشادات قد تفيدك في التغلب على مرضك: 1- هذا المرض ليس عضويا، بمعنى أنك لو خضعت لعملية فتح بطن وقام الجراح بفحص أمعائك لأتت النتيجة بأنها سليمة. 2- غالب الفحوصات التي يطلبها الطبيب وتخضع لها غالباً ما تكون نتائجها كلها سليمة. 3- اعلم أخي القارئ أن هذا المرض مزمن، وقد يستمر معك طوال العمر، فعليك أن تصبر وتحتسب الأجر عند الله، وتحاول أن تتكيف مع أعراض المرض. 4- ضع أخي القارئ في بطنك بطيخاً باردا فلا تقلق واعلم أنه مهما طالت مدة المرض معك، فهو لن يؤدي إلى أي مضاعفات أو أمراض أخرى، فهو لا يؤدي إلى نزيف أو التهاب أو سرطان، ولا إلى غير ذلك. 5- لا يوجد علاج يقطع هذا المرض ويشفيك منه تماماً، وسوف يصرف لك بعض الأدوية التي تخفف بعض الأعراض، وتساعد على تحملها وتمكنك من التعايش مع هذا المرض. 6- لكل نوع من الأعراض ما يناسبه من الأدوية، فالملينات تستعمل للإمساك وصعوبة التبرز، والمهدئات لآلام البطن، واستخدام حبوب الفحم وطاردات الغازات لغازات البطن والانتفاخ، أما عند وجود الإسهال فتستخدم له مضاد الإسهال بعد التأكد من عدم حدوث تسمم بكتيري. وقد يرى الطبيب أنك تحتاج بعض المهدئات النفسية، أو إرسالك إلى طبيب النفسية، فلا تتردد في قبول ذلك. 7- وعند ثوران موجة القولون العصبي فالخطوة الأولى للسيطرة على القولون العصبي هي التخلص من القلق والتوتر والضغوط النفسية، لأنها المحفز الأول للمرض، ولتحقيق ذلك يمكن تطبيق تمارين التنفس العميق، كما يلي: - قم بالجلوس على الكرسي أو الأرض، واحرص على أن يكون ظهرك منتصباً، ثم قم بأخذ نفس عميق أثناء قيامك بالعد من 1 إلى 4، وبعد ذلك قم بكتم النفس لمدة 7 ثوان، ثم قم بإخراجه على مدار 8 ثوان، وكرر هذه العملية لمدة 5 دقائق وستشعر بفارق ملحوظ. - امنح جسمك الراحة الكافية واجعله يسترخي، حيث يؤثر ذلك بشكل مباشر على الأمعاء ويحد من اضطرابات القولون العصبي. - قم بتعديل الحمية الغذائية وتناول الأطعمة الغنية بالألياف مثل الخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة، حيث يحد ذلك من الإمساك، والذي قد يتسبب حال الإصابة به في جعل بعض الأعراض الأخرى تزداد سوءاً مثل الانتفاخ والمغص، ولكن يجب تناول الأطعمة الغنية بالألياف تدريجياً. واعلم أنه ليس هنالك ما يثبت فائدة اتباع حمية خاصة، أو نظام معين للأكل، فبإمكان مريض القولون العصبي أن يأكل بالطريقة التي يجد أنها تناسبه مع الابتعاد عن الفلفل، مع الإكثار بشكل عام من السوائل والمأكولات الخضراء، التي تحتوي على نسبة عالية من الألياف مثل الخس، الجرجير، الخيار، الجزر ..... وغيرها. عافاكم الله وأسبل عليكم لباس العافية والى لقاء في موضوع جديد. يتميز هذا المرض بأنه ليس ناتجاً عن أي خلل مرضي العلاقة وطيدة بين الحالة النفسية ومتلازمة القولون العصبي