اختلف كثيراً مع الذين ينتقدون مطالب ونداءات المزارعين بالنظر في أوضاعهم الزراعية وتعزيز دعم الدولة لهم بعدة طرق للتغلب على بعض المصاعب الاقتصادية الزراعية التي تواجههم وأن ذلك بمثابة «خطر حقيقي يهدد حياتنا بالموت» كون ذلك استمراراً «للاستخدام السييء للمياه لانبات الصحراء القاحلة.. زرع الأحلام سراباً وانسياقاً وراء أمل كاذب».. أي الجدوى من زراعة الصحراء!. ومع تقديري واحترامي لما ورد والتي لا أشك في أن أساسها الحرص على ثروات الوطن ومصالحه وعدم التضحية بها، وهو ما أرجو ألا يشك فيه أيضاً من دوافع للطرف الآخر الذي يسعى لزراعة الصحراء وهم الزراعيون ومن يدعمهم. فإن لي عدة وقفات. الوقفة الاولى، ألم تتبن الدولة في خططها الاستراتيجية منذ عدة عقود جعل الزراعة جزءاً واضحاً من تركيبتها الاقتصادية الكبرى، لتصبح إحدى الركائز المهمة لتنمية الاقتصاد الوطني وتغيير بنيته الاقتصادية وتوزيع قاعدته الإنتاجية، إضافة إلى تعزيز التوزيع الديموغرافي للسكان وربط المواطنين بالقرى والهجر واكتسابهم المهارات على مدى السنوات في مجال الزراعة الحديثة وايجاد فرص عمل لهم في مجال الزراعة وكذلك المجالات الخدمية الكثيرة المساندة والداعمة لها ووسيلة لجذب رؤوس الأموال الوطنية لاستثمارها في البلاد وفي هذا المجال بالذات حتى تجاوزت مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي غير النفططي 10,5٪، وتجاوزت الاستثمارات فيه 75 مليار ريال وتجاوز عدد العاملين فيه 560 ألف نسمة وبنسبة سعودة لاتقل عن 50٪ اضافة إلى ارتباط اضعاف هذا العدد من المواطنين بالقطاع بشكل مباشر وغير مباشر في مختلف أوجه الانشطة الاقتصادية الزراعية المساندة؟ ومع كل فلا يجوز أن يصادر حق أياً كان في المساءلة واعادة النظر في أي توجه أو خطة استراتيجية ما من أجل اعادة تقويم الموقف، طالما أن هناك معطيات ومستجدات (مبنية على منهج علمي). ولا يعيب أبداً أن يُعاد تشكيل الخطط والتوجهات لتعديل مسارها بشكل واضح لاعادة هيكلة أي قطاع، بما فيه الزراعي وإن اضطر الأمر القيام بعمل خطة خروج (Exit Plan) تجنب الوطن والمواطنين الكثير من الأضرار والآثار السلبية اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً طالما اتضحت الرؤى وتبينت الحاجة والمتطلبات لذلك. ولكن هل حقاً اتضح أن هناك خطراً حقيقياً بات يهدد حياة الجميع وأن الزراعة في المملكة وهم كبير وما هي إلا «زراعة الأحلام سراباً» وأن الآبار جفت وأن المزارعين كانوا يعيشون على «أمل كاذب» وهو توفر المياه وامكانية بناء قاعدة زراعية وأن الخطط التي بني عليها كل ذلك كانت خططاً «مكلفة ومدمرة» كما تم وصفها؟! نأمل من القائمين على هذه الخطط الاستراتيجية ومتابعة تنفيذها أن يصارحوا الزراعيين إذا كان الوضع حقاً كذلك! ونرجو أن يعلموا - بارك الله فيهم - أن المسؤولية والأمانة وحق المواطنين عليهم الذين وضعوا الثقة الكاملة فيهم ونذروا أنفسهم واستثماراتهم وجهودهم خلال العقود الماضية، تقتضي ايجاد الخطط والاستراتيجيات البديلة للخروج كما أوجدوا خطط الدخول للزراعة حتى لا يجد المزارعون أنفسهم وكل من استثمر أو عمل في القطاع الزراعي بداية بواحد من أكبر مصانع الأسمدة في المنطقة التابعة لشركة سابك وحتى أصغر ورشة صيانة لآليات الزراعة والري، يقبعون في الصحاري التي تحولت إلى مناطق جذب خلال العقود الماضية قد عادت بهم إلى مناطق طرد لا حياة فيها. أما الوقفة الثانية، فهي عبارة عن تساؤل مشروع للزراعيين، وهو كيفية توفيقهم بين المعلومات عن وضع المياه المأساوي في البلاد وفقاً لما يتم تناوله في مجلس الشورى الموقر من جهة، وبين الدراسات المائية التي تقوم بها وزارة المياه وخبراؤها بالتعاون مع خبراء البنك الدولي والتي حسب آخر اجتماع تم في شهر شعبان بحضور اعضاء اللجنة الزراعية بغرفة الرياض مع المسؤولين المعنيين ووزارة الزراعة ووزارة المياه وخبراء البنك الدولي لاستعراض ومناقشة آخر مستجدات الدراسات المائية التي مازلنا بانتظار نتائجها وتوصياتها النهائية؟! بل وكيف يوفق الزراعيون بين تلك المعلومات وبما وردهم من اشادة وشكر ودعم معنوي غير مسبوق مؤخراً على أعلى مستوى في البلاد بعد اجتماع رسمي لمجلس الوزراء الموقر بمناسبة اليوم العالمي للزراعة، مثمناً للمزارعين وكافة العاملين في القطاع الزراعي «جهدهم وتعاونهم على مر العقود لتحقيق الأمن الغذائي والتنمية الزراعية في مختلف المناطق». والتطلع لقيام المزارعين «في الاستمرار في جهودهم المشكورة نحو الارتقاء بهذا القطاع المهم والمحافظة على المكتسبات التي تحققت مع تبني الأساليب الحديثة في الري حفاظاً على الموارد المائية، إيماناً بأهمية القطاع الزراعي الاقتصادية والاجتماعية وباعتباره ارثاً تتوارثه الأجيال».. كما ورد في التصريح! أما وقفتنا الأخيرة، فهي لفت الانتباه لغير المختصين في الزراعة إلى أن الزراعة ليست فقط قمحاً وليس كل المزارعين لا يزرعون سوى هذا المحصول، وإن كان القمح من أهم المحاصيل الاقتصادية في البلاد.. كما وأن محصول القمح ليس هو الأكثر استهلاكاً للمياه حيث أنه محصول شتوي الموسم محدود فترة الري مقارنة مع متطلبات ري الأعلاف التي تتم على مدار العام وكذلك متطلبات ري ما يقارب من 22 مليون نخلة في البلاد.. ولكن أليس من الأجدى حرصاً على المياه البدء بالزراعات التي لا جدوى اقتصادية أساسية لها ولا يرتبط وجودها بدخل شريحة كبيرة من المواطنين مثل المسطحات الخضراء والاستراحات الزراعية الخاصة والتي تقدر بعض الدراسات استهلاكها لما يقارب من 700 - 800 مليون متر مكعب من المياه سنوياً؟! أخيراً، أعتقد أنه إذا كانت هناك مشكلة قحيقية، فأرى أنها في الأساس مشكلة الحاجة لرؤية واضحة وشاملة لا تُبنى على آراء واجتهادات بقدر ما تُبنى على أسس واضحة وسليمة تمكن الجميع من المضي قدماً بدل العكس، فليس أسوأ من التقدم خطوة ثم العودة خطوات. ٭ عضو اللجنة الوطنية الزراعية - مجلس الغرف السعودية