ينطوي الرثاء دائماّ على حرقة في النفس , ولوعة في القلب , ولذلك كانت قصائد الرثاء أصدق القصائد تعبيرا عما تكنه الصدور من حزن , ذلك أن المشاعر في النص الشعري تبدو وتعبر عن نفسها في الكلمات التي قالها الشاعر لحظة الحزن وألبسها ثوب الحداد حالك السواد بحيث تظل متدثرة في عباءة الحزن ومحتفظة في ملامحها الحزينة حينما يعيد المتلقي قراءتها في كل زمان ومكان . ولعل قصيدة ( كلمة أخي ) التي كتبها سمو الشيخ الشاعر حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي يرثي فيها شقيقه الشيخ راشد بن محمد بن راشد آل مكتوم كانت من أجمل وأصدق قصائد الحزن وكشف فيها عن مقدرة تعبيرية وشعرية ومؤثرة عن معاني الحزن والفراق. لاسيما وأن عنوان القصيدة ( كلمة أخي ) يختصر ويكثف الكثير من معاني الأخوة والمشاعر الصادقة لا سيما وأن عنوان القصيدة هو مفتاح النص , والدليل المجمل لتفاصيله وعنوان كعنوان ( كلمة أخي ) ينطوي على صدق الأخوة والمحبة الصادقة التي جمعت راشد وحمدان وكأنها نفس الأحاسيس والدموع التي تناثرت وسالت من عيون شقيقهم الثالث ( أحمد ) لتكتب لنا نصا شعريا مميزا ومفعما بالحزن وكأن جميع الأخوة كالجسد الواحد في أحاسيسهم وما يعتريهم من مشاعر وهموم وأفراح وأحزن للتجسد لنا الأخوة في أسمى معانيها: سالت دموع احمد حفيد اللي لهم طيبٍ وجاه قلت الدموع تترجم اللي مستحيل يترجمه هاجوس شاعر لو تناقل شعره كبار الرواه بعض المواقف يستحي عن وصفها حبر قلمه والله يا احمد لو تعرف الصدر هذا وش وراه ورآه حزنٍ لو بغيت أكتمه وشلون أكتمه حزني على راشد هو أغلى حزن وآنا من نباه الطيب أوصيت العيون انها بدمعي تكرمه لو الحزن يقدر يردّه ما ذخر جفني بكاه حزنت لين الشمس تصبح في عيوني مظلمه الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم هكذا يتحول الحزن على فقد الأخ والشقيق راشد - رحمه الله- إلى سيل من الدموع أصدق من مداد اليراع , لأن ما في النفس أكبر بكثير من التعبير ونجد ذلك من خلال ( سالت دموع , قلت الدموع ,دمعي ,حزني , وشلون أكتمه , الحزن , عيوني مظلمة) وهي كلها دلالات عميقة ومعبرة عن حزن مهول يكشف عن معانية بحسب تعبيرها في الشعر, لا بحسب ما هي عليه في نفس الشاعر , لأن ما في نفس الشاعر أكبر بكثير من التعبير . لو آتمنّى شي من دنيا الفنا كان المناه إن العمر يقسم ما بين اثنين حتى أقسمه واعطيه نصف العمر واشوفه على قيد الحياه واعلّمه وش كبر قدره في الصدر واعلّمه إنّه هنا في القلب لين العمر ياصل منتهاه وانّي أحارب حزني بذكره وطيبه واهزمه أهزمه قدّام العرب واتحسّب ان قلبي حصاه وان صرت بلحالي كوى كبدي بحامي ميسمه وأحس بالكيه في وسط القلب من كل اتجاه أكابر بعزّه ونفسي للحزن مستسلمه في كل دارٍ زرتها لي أطيب الذكرى معاه لكنّها صارت بعد فرقاه ذكرى مؤلمه فبين الأمنيات والذكريات كأنما يتأول الشاعر بيتا من التراث العربي قول الشاعر متمم بن نويرة التميمي في أخيه مالك حينما قال في رثائه : ( وكنا كندماني جذيمة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا فلما تفرقنا كأني ومالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا ) مع يقين الشاعر باستحالة تحقيق ذلك إلا في أماني الشعراء . إلا إنه يحاول أن يحارب ذلك الحزن أمام الناس ولكن حينما يكون لوحده فذكرى الفراق المؤلمة تلقي بظلالها على الشاعر ليستسلم لألم الفراق والرحيل الأبدي: واللي يفاخر بين خلق الله بكثرة أصدقاه إن كان ما يفهم مصير النايبات تفهّمه والنعم في الصاحب لكن الأخ يفرق مستواه عن مستوى صديقك اللي يحشمك أو تحشمه الصاحب ف لحظة غضبه يضيع طيبه في رداه يبيع حبّك بارخص الأثمان مهما تخدمه وأخوك ما يقدر يبيعه لأنّه اصلا ما شراه خُلق وحبّك وسط خفّاقه ويجري في دمه يزعل لكن لا قلت له يا اخوي يحتضنك رضاه دائم أحاسيس الأخوّه بالمحبّه تلهمه كلمة أخي من فم أخي أجمل ما تنطقه الشفاه لأنّ منبعها خفوقه قبل ينطقها فمه في الأبيات السابقة نجد معنى الحكمة والعاطفة الصادقة والفطرة الإنسانية لنفس البشرية السوية فمحبة الأخ لا تعادلها في جميع الأحوال محبة ومنزلة الصديق فمحبة الأخ عاطفة نابعة من طبيعة الأخوة والدم فهي عاطفة وفطرة طبيعية تجري في دم الأخ. ولكن هذا التأمل العميق في معنى الأخوة , لا يأتي منعزلا وخارجا عن سياق القصيدة : بل يأتي كجزء من النص ويسرد كل الأسباب التي تؤدي لتلك العاطفة بأسلوب متميز لا يخل بوحدة القصيدة ومعانيها السامية وإذا جاز لنا أن نختار ( بيت القصيدة ) فهو : كلمة ( أخي) من فم ( أخي ) أجمل ماتنطقه الشفاه ....لأن منبعها خفوقه قبل ينطقها فمه ) فتكرر كلمة ( أخي ) وإن كانت تدل على المنادي والمنادى إلا إن تكرارها في البيت مرتين هو من شعور الشاعر بأن إحساس ورابط الأخوة عميق الدلالة بليغ العبارة نطقها قلبه قبل أن ينطقها لسانه: ليت القبر يعرف مقام اللي دفنّا في ثراه يا مااعظمه حيٍّ وهو ميّت بعد يا مااعظمه ما عاد لك يا احمد ولا لي غير ندعي في الصلاه ونقول يا راحم عبيدك من عذابك تعصمه قبله جنود بلادنا ضحوا لجل تذعن عداه ألله يصبّرنا على فرقاه والله يرحمه ولعل في تكرار الشاعر لكلمة ( ماأعظمه ) فالدلالة هنا تجسد العظمة الإنسانية تلك التي تنطوي في معانيها كل الإشارات والصفات الأصلية والفرعية , فهي اختصار وتكثيف بليغ . فكما استلهم مشاعر الأخوة في مطلع القصيدة يختتم بتلك المشاعر الأخوية الصادقة التي تجمعهم جميعا في حياتهم في تأكيد وإيمان صادق لأخيه وله إلا بالإيمان بالقدر والصلاة لإيمانه أن الله هو الذي يلهم الصبر والسلوان في مثل هذه المصائب فهي محنة تحتاج إيماناً ودعاء لله تعالى بالصبر على الفقد وتخفيف المصاب على إخوته جميعا لا سيما شعب الإمارات العربية المتحدة في فقدهم فقد فقدوا قبله بأيام الجنود البواسل وشهداء الحق في عاصفة الحزم لدحر الظلم والعدوان عن دولة اليمن الشقيقة تغمدهم الله جميعا بواسع رحمته.