يقول (جوزيف أديسون): "من الحماقة أن يفكر شخص شهير في الهروب من النقد، ومن الضعف أن يتأثر به.. جميع المشاهير في العصور القديمة – وفي أي عصر في الواقع – مروا بهذه المضايقات المحمومة، ليس هناك دفاع ضد النقد إلا أن تكون مجهولا صغير الشأن، انه نوع من التلازم مع العظمة، كما أن السخرية والتهكم والطعن دائما ما تلازم النصر". عندما تتوحد مشاعر البشر وتتواصل عبر لغة الفن، عندها سنلغي جميع المسافات ونتخطى حواجز الزمن، وننظر لبعضنا كماض يمتد عبره مضارع الزمن ويحكمه أمر الواقع الحالي، فما من إنسان في هذا الوجود إلا وطغى عليه الإحساس بالموجودات والكائنات فيعبر، عن إعجابه ودهشته، إما بصوت جميل، أو برسم بديع، أو موسيقى حالمة، أو رسالة من فنان يجسدها بتمثيل الواقع وقضاياه ومشكلاته، في هذه اللحظة تحط فراشات أسئلتي على مرآة الفن، الذي لطالما حاكمناه باسم المفاهيم والقيم والخروج عن المألوف إلى اللامألوف فهو مجال يختص بالتنوع والتجديد ما يجعله عرضة للجدل الدائم، فالتاريخ شاهد على بدايات الفن ولعل أقدمها وأقربها للناس هو المسرح، فقيمته الفنية بدأت مع إنسان ما قبل الميلاد، فبدايته كانت من الرقص، حيث كان الإنسان القديم يعبر بكل بدائية عن فرحه، وحزنه، وانتصاراته بالرقص، وعلى هذا الأساس تطور الرقص فأصبح وسيلة وشعارا لبعض القبائل والشعوب لكي يطلبوا من الآلهة بركتها. أما التمثيل فيعتمد على التجسيد أى إعطاء أكثر من بعد للشخصية المقدمة، والتمثيل تشتق من صنع التمثال ونحته وتفاصيله، وكان الروسي (ستانسلافسكي) أول من وضع نهج الممثل وملامحه الحقيقية، وكتابه (إعداد الممثل) وغيره من مؤلفاته أساسيات يصعب على أي ممثل الاستغناء عنها (كما يطلق عليها دستور الممثل). والواقع أن قنواتنا العربية لم تعد ترتقي لمستوى ذائقة المشاهد وما نراه يعرض من برامج ومسلسلات مكررة أفكارها ومنسوخة لا تحقق هدفا توعويا أو ترفيها حقيقيا، مع أنني لست من المتابعين للدراما العربية كثيرا، إلا ان مسلسلا واحدا قد يختصر لك كل ما يدور في الدراما العربية سواء من جودة أو ضعف، والغريب أن المخرجين وكتاب القصة والسيناريو نسوا أو تناسوا أن هناك شريحة من المتابعين طوال السنة لأغلب المسلسلات الأميركية، ذات الحبكة الدرامية القوية والحوار الذكي المقنع، والإخراج الذي اقل ما يقال عنه أنه ممتاز، أصبح لديهم معيار يقيّمون ويقارنون من خلاله بين البدائل المتاحة أمامهم، فكيف لا يخجلون من طرحهم أمام هذه المسلسلات العظيمة؟ نحن لم نعد نستطيع أن نقتنع بما يُقدّم على شاشاتنا التي باتت مُخجِلة كما وكيفا، أتساءل إلى متى لا يحترمون عقلية المشاهد العربي؟ إن غياب الدراسات الفنية، والإعلامية، وبحوث التسويق، وعدم الوعي والإدراك بأهمية المشاهد ك "عميل" دائم والبحث عن ربح مادي سريع جعلت العملية الإنتاجية تتم بمصانع "العجلة" و"مشي حالك" كما أدت إلى فقدان المصداقية بما يتم عرضه علينا، وفي عصر (الداونلود) والمشاهدة (اونلاين) لم يعد يأسرنا مسلسل أو برنامج أصبحنا نختار ما نريد، ومما أضفى علينا بهجة هي بعض برامج الشباب الجميلة في اليوتيوب وقنواتهم التي كلما خالجنا الملل دلفنا إلى قاعاتها واستمتعنا بها، ولعلي هنا اثني على برنامج (لقيمات) وهو برنامج يوتيوبي لذيذ وممتع للشاب خفيف الظل عبدالمجيد الكناني فيه ضحك والكثير من النقد الهادف لما يعرض من مسلسلات في قنواتنا الفضائية، أتمنى أن تعطى فرصة لمجهود هذا الشاب وغيره ومن يقف معه من جنود مجهولين فهم يقولون مالا نستطيع قوله وعلى الملأ. وكلما شاهدت حلقة من لقيمات يغمرني إحساس بأن شبابنا لازالوا بخير، فاعلين، متحمسين، ولديهم ذائقة ونظرة، شكراً لهم ولكل ما يقدمونه من أجل إسعادنا وانتزاع بسمة منا في عصر دراما الحزن.