لم يسجل تاريخ الصين أنها دولة اعتداء، واستعمار رغم ضخامتها وتاريخها الحضاري، والسبب أن بيئتها ذات التنوع البشري، والاقتصادي وكبر حجمها، ربما كانا سبباً في بعدها عن المطامع في الشعوب الأخرى، حتى إن ما لاقته من غزو وتدمير لحضارتها، ومحاولات لتقطيع جغرافيتها، وضعها في دائرة العواصف من قبل القوى الغازية سواء كانت قبلية، أو دولاً امتلكت قوة تعجز عن مواجهتها الصين، لم يخرجها من دائرة الاحتلال إلى المواجهة. الآن، وهي تتقدم وتتطور، وتحاول بناء قوة دولة عظمى، تغيرت الأسباب إلى نتائج مجهولة، أي أن التقدم التقني، والاقتصادي، والوفرة الهائلة من خلال إنتاجها الذي بات يهدد التجارة العالمية، جعل أمريكا تراقب بحذر صعود هذه القوة المنافسة، ولأن ميدان الصدام مستبعد، إلا أن نذر حرب باردة بدأت معالمها تظهر، وهنا بدأت الآراء حول بروز الصين تأخذ شكل دراسات عديدة، بعضها يرى فيها خطراً على العالم، وآخر يعتبرها القوة الموازية للغرب، والهند القادمة بنفس الوتيرة، وثالث يعتبر تعدد الأقطاب لمصلحة العالم في توازن السياسات وضبطها.. الرئيس الأمريكي بوش قسم دول آسيا بين ديمقراطية، وشبه دكتاتورية، ودكتاتورية مطلقة، والإشارة لكوريا الشمالية، والرئيس في زيارته للقارة الكبرى، جاء ليقرأ حقيقة الأوضاع الاقتصادية والسياسية في أكبر اتساع جغرافي، وتعداد سكاني، ولعل الإشارات التي صرح بها بوش تطال الصين بشكل خاص، وقطعاً قد لا تكون القضايا المطروحة تطويق القوة القادمة، وإنما فهم ما يدور بعقول، وأفكار الحلفاء للغرب، ومدى تقويمهم لمستقبل الصين التي أصبحت مارداً لا تحجمه أي إرادة دولية أخرى.. المؤكد أن الصينيين يدركون أن المطامع القديمة الاستعمارية، والثارات التي تظهر بعض الاحتقانات بينها وبين اليابان باعتبار تاريخ الأخيرة، لا تزال ماثلة، وحاضرة في الذهن الآسيوي، وخاصة المذابح، والحروب، والممارسات العنصرية، إلا أنها لن تكون سبباً في إعادة الحروب التقليدية، أو ما فوقها، إذا ما عرفنا أن التوازن الاقتصادي صار استراتيجية توازي استراتيجيات التسلح العسكري، وآسيا قد لا تكون ميداناً لحروب قادمة، إذا كان عقد المصلحة يقتضي تعاوناً مفتوحاً على كل المجالات، غير أن هاجس الخوف يبقى قائماً، وهنا صار التسلح، أو امتلاك تكنولوجيا السلاح، وعقد صفقات كبيرة وهائلة يستقطب معظم دول آسيا، وخاصة الصين والهند، ولذلك جاءت أمريكا لترسم حدود علاقاتها، أمام قوى عظمى قادمة، وتحدد دورها في العقدين القادمين على الأقل.. أمريكا ستبقى الدولة الأعظم لزمن غير قصير، لكنها تدرك أن سرعة صعود الصين، وتجاوز اقتصادها حدود المألوف يجبرانها على التحري ورسم السياسات، في قارة لا يزال نفوذها كبيراً فيها..