أجواء حرب باردة تدور بين الصين، وأمريكا، إذ اعتبَرَت الثانيةُ أن نفقات الصين على التسلح تفوق ما كان مقدراً، حتى أن رامسفيلد أعاد للأذهان صورة وزراء الدفاع والخارجية الأمريكيين الذين وضعوا السوفييت في قائمة من سيتلقون الضربة النووية الأولى، ثم كان تفجير العالم الإسلامي كعدو بديل، والآن تقف الصين كند جديد، أو محتمل بأن تتحول إلى قوة اقتصادية وعسكرية كبرى قد تنافس أمريكا على قيادة العالم.. المنافسة بين الدول الكبرى لا تقف عند حدود معينة، ولعل غياب الاتحاد السوفييتي، هو الذي أطلق نفوذ أمريكا، باعتبارها الوحيدة في العالم، وأن فرصتها في مد سلطتها ونموذجها السياسي، والاجتماعي، قد لا يتكرران وهنا حدث ما يشبه الزلزال في العالم حين ترسخ فكر المحافظين الجدد على استخدام وسائل القوة العسكرية، والمادية تجاه أي دولة خارجة عن القانون، غير أن بروز الصين كقوة محتملة، وفي قلب آسيا التي تعتبر ميدان المناورة، وحلقة الأمن الأمريكي في أكبر تجمع بشري ومساحة جغرافية، يجعل الأمر صعباً ومغايراً لتوقعات ما بعد سقوط السوفييت.. ومثلما استطاعت إسرائيل أن تكون القوة الأولى في المنطقة العربية بامتلاكها السلاح النووي، وتقنيات التصنيع الأخرى، وبدعم من كل الغرب، فالصين تعتبر في محيطها قوة إقليمية كبرى، وربما في العالم بأسره، وهنا القضية والمشكلة، إذ أن البلد الكبير، الذي بدأ يمتلك عناصر قوته، لا يمكن قهره، وهي حقيقة بدأت مع حروب الأفيون التي شنتها بريطانيا على الصين، ثم احتلال اليابان لأجزاء كبيرة من أرضها، وهي الآن، بعد تجارب كبيرة من الاحتلال، وهيمنة الدول الأجنبية عليها، ومرارة المرحلة الماوية، أخذت تعيد تشكيل صورتها أمام العالم، معتبرة التنمية مع القوة العسكرية هما مصدر ثبات نفوذها.. فهي عملاق بشري جغرافي، وإذا ما أضيف لهما امتلاك التقدم العلمي، والاقتصادي، فإنها ستعلن انقلاباً جديداً على مصادر تنازع السلطات بين القوى العظمى، وأمريكا قد تكون محقة في شكوكها تجاه حكومة بكين، والخوف من المستقبل القريب، وهنا يأتي الحذر بإطلاق نار التحذيرات ، وإعلان الحرب النفسية التي هي المرادف للحرب الباردة غير أن الصين حقيقة ثابتة في المعادلة الدولية، وقد تسبق أوروبا، وتتحالف مع الهند وروسيا، مما يفرض على الدول الآسيوية المتقدمة أن تذعن للحقيقة، وحتى اليابان قد تفاضل بين تحالف تقليدي مع أمريكا، أو القبول بمبدأ التعايش والتعاون مع العملاق القادم، وهي صيغة قد تبعد أمريكا عن آسيا كقوة مطلقة، وقد يكون هذا الإنذار الأول في حروب غير عسكرية قادمة..