كتبت في مقالين سابقين عن بعض معوقات التطوير الإداري المتمثلة في شيخوخة القيادات الإدارية، وطريقة عمل لجان الإصلاح الإداري والنظام المالي في قضية أولويات الميزانية وطريقة توزيعها على القطاعات المختلفة والجهات التابعة لقطاع واحد، وأواصل الطرح في هذا الشأن بالقول بأن تدني مستوى الشفافية وضعف الرقابة والضغوطات الاجتماعية تساهم هي الأخرى بشكل كبير في عدم إنجاز التطوير الإداري الذي نحلم به. الشفافية مصطلح فضفاض وهناك محاولات جادة في تبني الشفافية في اتخاذ القرار وفي تطبيق الأنظمة والتعليمات، لكن الواقع يشير إلى أننا لانتحلى بالشفافية التي ننشدها ولا نستطيع تبرير العديد من القرارات أو شرحها بالشكل الأمثل، و حتى الأنظمة بعضها يصاغ بطريقة ضبابية تساهم في احتكار تفسيرها وتأويلها، وتساهم في إعطاء الصلاحيات المطلقة في يد البعض، بشكل يجعلنا نتساءل عن بعض الأنظمة التي تعطي السلطة المطلقة لشخص أو أشخاص في نقضها بشكل كامل أو جزئي. الشفافية لا تكتمل دون وجود جهاز رقابي ومحاسبي قوي، مستقل وشفاف في المتابعة والتحقيق والتقصي. نقدر أجهزة الرقابة والمراقبة لدينا، لكنها تبدو أجهزة أقصر قامة مما نفترضه منها، حيث إننا نلحظ كثيراً من تدخلاتها، إن حدثت ، تدخلات سطحية (مع اعتذاري لقسوة الحكم)، تبحث في سطحيات الأمور وشكلياتها دون عمق واضح يبين مواقع الخلل والزلل. الجانب الاجتماعي هو الآخر يساهم في إعاقة التطور والنمو الإداري المنشود، فهذه القضية التي حذر منها العديد من النقاد والمهتمين بالشأن التنموي، بحاجة إلى وقفات متكررة. بكل أسف نلحظ بأن العلاقة الاجتماعية (علاقة القرابة، المناطقية، الفئوية،...) تفوق في قوتها الكفاءة، حيث أصبح البعض يقرب إدارياً ويمنح المناصب لأصحاب العلاقات الاجتماعية على حساب تقريب الكفء والمتميز. لقد أصبحت بعض المناصب تفصل للأقرباء وأبناء المنطقة وليس لحاجة العمل، وبالتالي تكونت شبكات شلل مناطقية داخل بعض القطاعات، حيث تستطيع الإشارة بوضوح إلى كون هذه المؤسسة أو هذا القطاع أو هذه الإدارة أو تلك بأنها محتكرة في أبناء المنطقة الفلانية أو في أصحاب الفكر الفئوي المتقارب. لضعف الشفافية في الإشارة إلى هذه الممارسات بوضوح ولضعف الرقابة والمراقبة على هذه الظواهر أصبحت هذه الممارسات شبه طبيعية، وغير مخجلة لدى البعض. جميع المعوقات اعلاه قادت إلى ممارسات إدارية غير مثالية وقادت إلى إجراء التطوير الإداري بشكل متجزئ وغير متكامل، كما يفترض بين مختلف القطاعات الإدارية، وقادت إلى عدم بروز المبادرات الجميلة التي يتم اتخاذها في هذا الشأن.