تتوالى المشاهد ..وسنظل نندهش كلما سمعنا أو رأينا صرعة جديدة من صراعات الزواج ..«زواج الوشم» و«زواج المصيف» و« زواج البزنس» و«زواج الدم» .. ومن قبلها كان «زواج المسيار» و«الزواج العرفي» ..ومن بعدها لا نعرف ماذا سيجد علينا من أصناف الزواج التي ما أنزل الله بها من سلطان . ومن بين أصناف الزواج نوع لا نظنه جديدا علينا فقد كان موجودا من قبل، ولكن على استحياء، فقد كانت حالات الزواج في الكراكون لا تتعدى أصابع اليد الواحدة خلال العام أما الآن فقد أظهرت آخر الإحصاءات وصول عدد زيجات الكراكون الى 20 ألف حالة خلال عام واحد في مصر .. وأن حالات الزواج في أقسام الشرطة في مدينة نصر والجمالية قد بلغت 600 حالة خلال عام واحد .. وتشير دراسة حديثة لمركز البحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة الى تزايد هذه الظاهرة وإلى أسبابها التي حاولت تحديدها في ثلاثة أسباب ..أولها : زيادة حوادث التغرير بالفتيات ..وثانيها : رغبة الزوجين في أخذ تعهد على الآباء والاقارب بعدم التعرض ..وثالثها : لجوء عدد كبير من السيدات اللائي أجبرن على الزواج العرفي لأقسام الشرطة كملاذ أخير وموثق لزواج يعترف به الجميع وتضمن به الحقوق . وفي هذه السلسلة من التحقيقات سنتناول عدداً من الحالات الإنسانية التي لجأت الى زواج الكراكون لأي من هذه الاسباب الثلاثة السابق ذكرها أو لغيرها من الأسباب التي نرى من بينها (بطالة الشباب) والأزمة الاقتصادية الراهنة، وموجات الغزو الإعلاني والثقافي الغربي التي نتعرض لها صباح مساء ونحن في غاية الاستكانة والانكفاء على الذات .. واذا أردنا أن نلوم أنفسنا فسنجد الكثير من مسببات اللوم ... الزواج بأمر المأمور هدى أ . ب طالبة بالسنة الثالثة بكلية هندسة عين شمس تقول: أنا فتاة خجولة جداً تربيت على عدم الاختلاط مع الصديقات وكان أخي يحرص على مرافقتي إلى الكلية ويأتي ليأخذني، وتعلمت التحفظ في كل شيء حتى في الكلام والنظرات والحركات وعلى الرغم من أنني على قدر كبير من الجمال، إلا أننى لم أشعر مطلقاً بأنوثتي حتى عندما كنت أقف أمام المرآة كانت والدتي تنهرني بحجة أن هذا الفعل «عيب» وكان همي كله دراستي فقط حتى ملابسي كانت والدتي تختارها لي دون إبداء رأي . وتستطرد هدى قائلة: كنت أشاهد زميلاتي وهن يمارسن حياتهن بحرية كاملة وكنت أتمنى لو أعيش 10٪ من حياتهن وثقة أهلهم فيهن، ولكن هيهات فكوني فتاة فلا يحق لي أن أعيش حياتي إلا في بيت زوجي بعدما أتخرج في الكلية.. وحدث ذات يوم أن سافر أخي في مأمورية عمل خارج البلاد فلم يعد يوصلني إلى الكلية أو يحضر لمصاحبتي، فنبه علي والدي ووالدتي الذهاب للكلية في الساعة كذا والحضور في الساعة كذا وغير مسموح بالتأخر عن هذا الميعاد .. وأثناء ذلك حاول زميلي حسام التقرب مني ولكنني نهرته بشدة عدة مرات ولكنه لم يمل بل كان يمطرني بكلمات معسولة كانت تملأ إحساسي وشعوري وترضيني كأنثى، ولكنني كنت خائفة ومرعوبة من هذا الإحساس الذي لم أعشه من قبل، ولكن مع مرور الوقت كانت النشوة تملؤني عندما أسمع كلام زميلي الذي لا يكل ولا يمل من عدم استجابتي له .. حتى جاء اليوم الذي لم أستطع مقاومة كلامه فبدأت أتحاور معه وتطور الأمر إلى أن بهرني بشخصيته وكلامه وتبادلنا كلمات الحب وتعلقت به لدرجة كبيرة حتى إنني أصبحت لا أستغني عنه، وأخذ حسام يحدثني عن عائلته الثرية وأن لديه شقة فخمة جداً في شارع عباس العقاد قام والده بشرائها له لكي يتزوج بها .. وذات يوم عرض علي الزواج وقال إنه على استعداد لمقابلة أهلي فوراً، مما زادني ثقة به، بعدها كنت أركب معه السيارة للتنزه، إلى أن عرض علي الذهاب معه إلى الشقة لكي أشاهدها لأكون مطمئنة، وفعلاً ذهبت معه وأطلعني على عقد التمليك الخاص بها وكان لطيفا معي وقال لي مبروك يا هدى هذه شقتنا التي ستشهد سعادة حبنا وقبلني وكنت أول مرة أشعر بحرارة القبلة وطعمها وشعرت أن جسمي يرتجف، المهم انصرفنا من الشقة وعدت إلى منزلي تنتابني حالة نشوة أنستني حياتي الأولى ورسمت في خيالي حياتي الجميلة المقبلة. حتى جاء اليوم المشئوم حينما تقابلنا في الشقة ليأخذ رأيي في الديكورات التي سيصممها لها .. وفي هذا اليوم أمطرني بأحلى كلام حتى إنني لم أدر بنفسي وأنا في أحضانه حتى أفقت على الكارثة بأنني أصبحت سيدة ولست فتاة فانتابتني حالة من الهيجان وأخذ يهدئ من روعي وقال أنت زوجتي أمام الله وأنا مستعد أن أعقد عليك فوراً الآن وأتقدم لأهلك، وعندما سمعت هذا الكلام هدأت إلى حد ما، وانصرفنا وفي اليوم التالي تقابلنا وقال لي تأكيداً لكلامي معك أمس تعالي نشتري الشبكة ليكون كل شيء جاهزا، وفعلاً اشترينا الشبكة التي أريدها وظللنا على هذا الحال لمدة شهرين نتلاقى كزوج وزوجة. وطلبت منه أن يحضر لأهلي لكي يطلبني منهم فكان رده حالاً وفوراً ولكن أعطيني فرصة لمدة أسبوع، المهم كنا نتقابل في الشقة على مدى هذا الأسبوع يومياً، وقبل اليوم المحدد لحضوره إلينا لم أشاهده في الكلية وعندما سألت عنه لم أجد أي تفسير لغيابه، وظل على هذا الحال لمدة شهر، جن جنوني وعشت أسوأ أيام حياتي الى أن شاهدته في الجامعة فأسرعت إليه وسألته أين كنت؟ ولماذا تغيبت هذه المدة؟ وكانت بداية الصدمة حين رد بفتور أهلاً هدى.. فقلت أنت فين لماذا اختفيت كل هذه المدة؟ فقال: أنا كنت بغير جو.. فقلت له: لابد أن تطلبني من أهلي فوراً .. فقال: لماذا؟ فصعقت وقلت له: أنت نسيت ما بيننا؟ نسيت أني زوجتك أمام الله كما قلت! نسيت قولك إنك ستحضر لأهلي فوراً تطلبني للزواج! نسيت الشبكة التي اشتريتها لي . وأضافت فكانت كلماته كالصاعقة علي حينما قال هذه الشبكة ثمن الأيام الجميلة التي قضيناها مع بعض.. أما الزواج فلا، لأنني لا أفكر في الزواج إلا بعد عشر سنوات على الأقل.. فإذا رغبتي عليك الانتظار هذه المدة وبعدها نتزوج.. فعرفت أنه ذئب خدعني وغرر بي، وقررت الانتقام منه، وكانت لي صديقة والدها لواء شرطة، وكانت قريبة مني جداً، فرويت لها حكايتي وتعاطفت معي وأخبرت والدها الذي قام بدوره بعمل التحريات عن حسام وعرف أنه ذئب يصطاد النساء والفتيات للاستمتاع بهن في شقته المذكورة.. وقام بإصدار أمر بالقبض عليه وأحضره لقسم مدينة نصر، حيث أطلعه مأمور القسم على جميع التحريات التي تمت حول مغامراته الشيطانية وأنه سيحول إلى النيابة العامة فانهار حسام . اعترف بمغامراته وحينما دخلت عليه هدى انهار أكثر واعترف بحكايته معها طالباً العفو والصفح وأخذ يتوسل إليها أن تسامحه وأنه على استعداد الآن أن يتزوجها ويتوب على يديها، فما كان من مأمور القسم إلا أن استدعى والد هدى وبكل ذكاء أقنعه بواقع بأمر وأنه لابد من حسن التصرف بعقد القران فوراً، وهذا ما حدث حيث حضر مأذون الحي الذي عقد قراني أمام الأهل والمأمور، وتأكيدا لحسن نيته على التوبة كتب حسام عقدا تنازل فيه عن شقته باسمي بكل محتوياتها، واشترطت هدى أن تكون العصمة في يدها. فوافق، مما أثلج قلوب أسرة هدى نحو استقامة حسام وتم الزواج وسط زغاريد الحاضرين. نتيجة طبيعية للتفكك الأسري وغياب الأب ولا يختلف الحال مع فاطمة البنت الصغرى المدللة لأسرة مستواها راق جداً عن سابقتها، حيث يعمل والدها في الخليج منذ أكثر من 15 عاما، ومنذ ان سافر ترك المسئولية لزوجته التي كانت لا تعرف عن بناتها أي شيء وانصب جل اهتمامها في الخروج من بعد الظهر وهو ميعاد استيقاظها من النوم وكانت لا تعود إلا ليلاً وتركت لبناتها الحبل على الغارب، أما الوالد فكان دوره إرسال مصاريف البيت أول كل شهر ولم يكلف نفسه يوماً ليتصل ببناته ليطمئن عليهن، أما الشقيقة الكبرى سعاد 21 سنة كان لا يهمها إلا نفسها، حيث كانت تعمل في أحد بنوك الصرافة، أما الوسطى وتدعى علية 20 سنة فكانت تتخذ لنفسها مسار والدتها، هكذا ساءت حياة فاطمة لا أحد يسأل عنها أو حتى يعرف عنها أي شيء في دراستها أو عن حياتها . وأثناء ذهاب فاطمة للمدرسة تعرفت على شاب تبادلا أطراف الحديث وأظهر إعجابه الشديد بها حيث كانت تتصف بجسدها المثير وأناقتها بشكل ملفت وجمالها الممشوق وبدا يتقرب إليها يوماً بعد الآخر حتى تطورت علاقتهما ووصلت إلى الخروج معا الى بعض الأماكن البعيدة عن أعين الناس والأصدقاء وفي إحدى المرات طلب منها أن تزوره في شقته لكنها رفضت وزاد إلحاحه مع الأيام وكانت قد تعلقت به لدرجة الجنون وبالفعل وافقت وذهبت معه إلى شقته فلم يؤذها في زيارتها الأولى. وفي المرة الثانية كانت له أنثى تذوق من جسدها حتى الثمالة، وتعددت لقاءاتهما كثيراً داخل شقته، بل اتفقا على أن تتناول فاطمة أقراص منع الحمل حتى لا تنجب لحين تدبرا الأمر، وظل الحال هكذا على مدى ستة أشهر وبدأت تشعر أن حبيبها بدأ يتهرب منها بحجة انشغاله في عمله وعندما استشعرت الخطر القادم طالبته بتصحيح وضعهما وأنه لابد من عقد قرانه عليها لأنها لا تستطيع أن تستمر على هذه الحالة ولكنه تحجج بأنه غير جاهز الآن وتنقصه أشياء كثيرة لتكوين أسرة فعرضت عليه مساعدته مادياً لتكوين عش الزوجية إلا أنه ماطلها فتأكدت أنه يتهرب منها، فهددته بأنها سوف تفضح أمره فما كان منه إلا أن رفض الارتباط بها. وعلى الفور توجهت إلى قسم شرطة مدينة نصر، وقصت حكايتها على مأمور القسم، فأمر بعمل التحريات اللازمة حول هذا الشاب والقبض عليه، وبعد عدة أيام تأكدت التحريات من صحة أقوال فاطمة وتم القبض على الشاب الذي اعترف تفصيلياً بحكايته معها وأبدى أسفه الشديد من موقفه معها وقال أنه يحبها وأبدى رغبته في الزواج منها فوراً، وعلى ذلك استدعى المأمور والدة وعم فاطمة اللذين صدما بالواقعة ولم يكن أمامهما أي تصرف إلا أن يوافقا على عقد زواجها من هذا الشاب، فاستدعى مأمور القسم مأذون حي مدينة نصر الذي قام بعقد قرانهما في القسم وكان المأمور شاهدا على الزواج ونائبه الشاهد الثاني وتعهد أمام المأمور بحسن معاملتها وانصرف الجميع متسترين على فضيحة ابنتهم. وتقول الدكتورة هناء الجوهري أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، إن الزواج في قسم الشرطة نوع من التحايل للهروب من المسئولية، وحل مؤقت للخروج من أزمة ما، وهو زواج محكوم عليه بالفشل لأنه لا يستند إلى أي علاقة إنسانية أو اجتماعية سوية. يرى حمدي عبدالرحمن أستاذ القانون المدني بجامعة عين شمس أنه لا يوجد زواج بالإكراه، لأن الإكراه في القانون المدني، يبطل عقد الزواج، ولكن الزواج في قسم الشرطة يعد ضرورة عندما يقع أحد طرفي الزواج في مأزق، كأن يعتدي شاب على فتاة أو يغرر بها دون موافقة أهلها، فيحدث تأزم بين الشخص وأسرة الفتاة، فيعرض عليهم الزواج للخروج من هذه الأزمة، ولكن هذا لا ينفي أنه زواج محفوف بالمخاطر، لأن الزوج يملك، وفقاً للشريعة الإسلامية حق طلاقها في أي وقت، وقد يتم الطلاق بمجرد الخروج من قسم الشرطة، لأنه بذلك يضمن انتهاء الأزمة، حيث ترفع عنه المساءلة القانونية والعقوبة بمجرد إتمام الزواج، ويتوقف استمرار هذا الزواج أو عدمه على طبيعة العلاقة بين الطرفين هل كل منهما حريص على إبقاء العلاقة الزوجية، أم أنه مجرد حل وقتي لمشكلة متأزمة، ولذلك فالقانون في مجال العلاقات الشخصية يحرص على ألا يتجاوز إرادة الأفراد، ويترك المصير بيدي الطرفين. ينشر بالترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة