تحدث الجاحظ عن (الكذب على المرأة) وذكر أن شاباً فيه دمامة تزوج فتاة رائعة الجمال قد شغفته حباً قبل الزواج، وزاد حبه لها بعد الزواج بخلاف كثير من العشاق.. ومع شدة الحب ولدت الغيرة.. كان يغار عليها من نسمة الهواء.. وحين عاد إليها ذات مساء قالت له بصوت حالم: - جاء لزيارتك اليوم صديق لك قال إن اسمه الوليد.. الله!.. كم هو وسيم جميل طويل! جُنّ الزوج العاشق الغيور، وكان أشد ما يخشاه أن ترى زوجته هذا الصديق المتفرد بوسامته.. فقال مختلقاً كذبة لعلها تجعلها تنفر منه: - الوليد؟.. آه نسيت أقول إن لك أن فيه جنيَّة تصرعه كل شهر.. فقالت زوجته باسمة حالمة: - لو كنت جنِّيته لصرعتُهُ كل يوم! فامتقع وجه الزوج غيرة وغضباً وعلم أن كيده رد في نحره.. وأن حبل الكذب قصير.. وأن المرأة أذكى مما يظن.. * ورجع أحد الولاة من سفر طويل، وجد زوجاته الثلاث متنافسات في الزينة واللباس، كل واحدة تود أن يكون عندها الليلة محمولاً بالشوق محموماً بالحرمان.. وبدأ بينهن الهرج والخصام والخلاف حول من هي أحق بليلة الزوج العائد، كنّ ذكيات ولكنه أذكى.. قال: كل واحدة منكن تقول حكمة حول الأمر، والتي تقنعني حكمتها سوف أكون الليلة عندها.. - قالت الزوجة القديمة: «ما الحب إلا للحبيب الأول كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منزل» رد الزوج: حكمة جميلة!.. وأشار لزوجته الوسطى وقال الدور عليك: فقالت: - «خير الأمور الوسط»! رد ضاحكاً: - حكمة صحيحة.. ثم أشار لزوجته الأخيرة، الصغيرة والجميلة: قولي أنت! ردت: - إن الله جل وعلا يقول «وللآخرة خير لك من الأولى».. فانشرح صدره وابتهج وجهه وردد: صدق الله العظيم.. أنت الفائزة!! * * * وبمناسبة قصة الجاحظ القصيرة.. فقد كان (جميل بن معمر) هائماً حباً ببثينة، حتى عرف بها (جميل بثينة..) ولم يتزوج لأنه لم ينلها.. وكان يغار عليها مثل كل العاشقين.. بل أشد.. إذ عبر عن غيرته بشكل صارخ.. قال: - ما رأيت مصعب بن الزبير يختال بالبلاط إلا غرت على (بثينة) وبينهما ألف ميل! وكان مصعب وسيماً طويلاً وأميراً للعراق زمن جميل.. * * * ومصعب بن الزبير تزوج أجمل نساء العرب، ومنهن (عائشة بنت طلحة) وكانت فريدة زمانها في الجمال.. وله معها حكايتان: - دخل عليها صباحاً وأيقظها (وكانت نؤوم الضحى) ثم قدم لها ذهباً وجواهر تفوق قيمتها مليون ريال، هدية.. فقالت وهي تنظر للهدية وتتثاءب: - «نومتي كانت أحب إلي من هذا الحلي»! ويعتبر بعض من أورد القصة أنها شاهد على دلال المرأة، وأرى أنها شاهد على (ثقل الدم) عند بعض النساء، بالمفروض أن تفرح بالهدية (أياً كانت فكيف وهي ثمينة) وتلمع عيناها بالامتنان، وتضم زوجها معربة عن شكرها وحبها.. - وقدم مصعب عليها (زوجته عائشة) بعد أن خاض معركة طاحنة، وكان وجهه ملطخاً بالدم والتراب فقال: - ما مر علي في حياتي أشد من هذا اليوم.. فقالت على الفور: - بل مر عليك.. حين رفعت النقاب عن وجه (زمعة) ليلة الزفاف! وزمعة زوجته الأولى ولا يمكن مقارنة شكلها بجمال عائشة، وفي جوابها هذا ذكاء وسرعة بديهة وكيد نساء..