مواقف المملكة الثابتة من القضية الفلسطينة لا تحتاج إلى مزايدة، أو مكاسب سياسية؛ فهي واضحة، ومعلنة، ومشهودة على مدى عقود من الزمن، ويكفي أن الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، ومن بعده أبنائه كانت هي قضيتهم الأولى، وحديثهم السياسي، وأكبر الداعمين لها مادياً ومعنوياً، وأكثر من عبّر عنها في المنظمات والهيئات الدولية، ومن تمسك بها وتركها حيّة في قلوب المسلمين رغم أن هناك من قلّل أو تنازل عنها، بل كانت الرؤية السياسية واضحة تجاه التعاطي مع القضية وليس الأشخاص، وهو ما أثمر عن جهود كبيرة على مستوى القرار الدولي، لعل أهمها الدور الذي اضطلعت به المملكة بجهود دبلوماسية مكثفة على مختلف الصعد من أجل القدس، وتعاونت مع دول إسلامية حتى صدر قرار مجلس الأمن الدولي في العام 1980م الذي طالب جميع الدول التي أقامت بعثات دبلوماسية في القدس بسحبها فوراً، وهو القرار الذي كان نصراً للدبلوماسية الإسلامية بفضل دعم المملكة، وإحباطاً لمخطط صهيوني تجاه مدينة القدسالمحتلة. والحديث عن القضية الفلسطينية ممتد في جوانب سياسية وتاريخية وعسكرية وإنسانية منذ مرحلة ما قبل الانتداب البريطاني (ظهور الحركة الصهيونية، اتفاقية سايكس بيكو، وعد بلفور)، ومرحلة ما بعد الانتداب (الهجرة اليهودية، الثورة الفلسطينية، قرار تقسيم فلسطين، نكبة 1967، مجزرة دير ياسين، قيام دولة إسرائيل)، وما تبع ذلك من حادثة إحراق المسجد الأقصى العام 1969م في محاولة من الصهاينة للقضاء على الأماكن الإسلامية في فلسطينالمحتلة، وما نتج عن كل ذلك من أزمات وحروب ولاجئين واحتلال واستيطان ومجازر وعمليات مقاومة، حيث دفع الأشقاء الفلسطينيين الثمن غالياً، وعاشوا في الشتات، وتحمل من بقي منهم في الداخل معاناة العيش الكريم، ولكن مع كل ذلك الألم، ومخطط وعدوان الصهاينة المحتلين بقيت فلسطين وعاصمتها القدس، وبقي الأقصى شامخاً، وسيبقى مهما بلغ العدوان ذروته، وتجاوزت الإنسانية قيمها وحقوقها أمام صمت العالم، والمنظمة الدولية، ومجلس الأمن. العدوان الإسرائيلي على الأقصى مستمر، وسيستمر؛ بحثاً عن مزاعم وخرافات، حيث لا تزال حفرياتهم في مواقع عدة من المسجد، وتحت أنقاضه، إلى جانب ما يفرزه الحائط العنصري من تقسيم واضح، وتهجير، واستباحة الأرض والدم، وعزل الضفة عن القطاع، وتحييد القدس، وفرض السياج الأمني لمنع دخولها أو الوصول إليها، وأمام مشاهد العدوان اليومية ضد الشعب الفلسطيني كان صوت المملكة عالياً وهو يناشد العالم الحر بأن يقف مع العدل ويكف عن صمته ويمارس ما يدعيه من حقوق ومساواة ويحدد موقفه من العدوان الصهيوني، كان صوت المملكة مؤثراً وهي تستنكر، وتضع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن أمام مسؤولياتهم، وتؤكد أن إرهاب الدولة الإسرائيلي هو أكبر مغذٍ للتطرف والعنف، وانتهاك صارخ لحرمة الأديان. الملك سلمان أجرى وتلقى اتصالات عدة مع عدد من قادة دول العالم مستنكراً ومديناً التصعيد الإسرائيلي الخطير في المسجد الأقصى، والاعتداء السافر على المصلين في باحاته، وانتهاك حرمة المقدسات الإسلامية، وهو استنكار نابع من ضمير حي لقائد عظيم يحمل هموم أمته، وثوابتها، ويحفظ مقدساتها، ويدافع عنها، ويستثمر مكانته ومكانة دولته وعلاقاتها في وقف العدوان على الأقصى، ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة.. موقف الملك سلمان تجاه الأقصى مشرّف، وحازم، وواضح، وهو ما يجعلنا نحن كمواطنين ومسلمين نفخر بقائد أصيل لم تغره المصالح عن الثوابت، ولم يتأخر يوماً عن نجدة ملهوف، والوقوف مع مظلوم مهما كانت التحديات.