أعرب مجلس الوزراء مؤخرا عن إدانته لما تتعرض له مدينة القدس من انتهاكات من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي والمخطط الصهيوني الهادف إلى تقسيم المسجد الأقصى المبارك زمانياً ومكانياً، مؤكداً أهمية الوقوف الجاد والحازم أمام هذه الانتهاكات لإنقاذ المسجد الأقصى من مخاطر التهويد. وقد جاء هذا البيان ليؤكد ثوابت المملكة التاريخية من قضية فلسطين، أرضًا وشعبًا، لكن أهمية هذا البيان أنه جاء في هذا الوقت الذي تشهد فيه المنطقة العربية مخاضًا عسيرًا بفعل المؤامرات المحلية والدولية. وقد استغلت حكومة الاحتلال الصهيوني هذه الأوضاع للمضي قدمّا في مخططاتها لطمس الهوية الاسلامية للمدينة المقدسة في انتهاك وقح لكل القرارات الدولية التي رفضت إجراءات ضم المدينة وإعلانها عاصمة أبدية للكيان المحتل. ولا يكاد يمضي يوم دون حدوث انتهاكات وتدنيس لأولى القبلتين على أيدي قطعان المستوطنين وبحماية من جنود الاحتلال. ومن المؤكد أن هذا البيان لم يكن لمجرد رفع العتب، ولكنه يبعث برسالة واضحة إلى الحكومة الصهيونية وإلى المجتمع الدولي الذي يلتزم الصمت المريب تجاه الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني ومذابحه المتكررة ضد أهالي غزة المحاصرين، وتجاه مذابح نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري المطالب بحريته، وتجاه مذابح عصابات الحوثيين وحزب الله والميليشيات الطائفية العراقية. وجاءت الرسالة السعودية لتقول للحكومة الصهيونية إنه على الرغم من انشغال المملكة في محاربة خطر الحوثيين في اليمن والخطر القادم من العراق الذي تحاول إيران الدفع به عبر حدودنا، فإن المملكة سيكون لها موقف آخر إذا ما استمرت مخططات تهويد القدس والمسجد الأقصى. والرسالة تعرية لموقف الحكومة الإيرانية التي تتحفنا كل يوم بتهديداتها العنترية بتدمير "إسرائيل"، لكنها لا تحرك ساكنًا ضد المخططات الصهيونية، وتكتفي بتغذية الصراعات الطائفية ونشر الخراب والدمار في المنطقة العربية. وعلى الرغم من الحرب الكلامية بين طهران وتل أبيب، إلا أنهما متفقتان على تفتيت المنطقة العربية، ولو كانت إسرائيل تشعر بأن إيران وفزاعة مشروعها النووي تشكل خطرًا حقيقيًا عليها، لضربت المفاعلات الإيرانية، كما فعلت عندما دمرت المفاعل الذري العراقي، من دون حتى انتظار إذن أو مساعدة من الحليف الأميركي. أما عندما تعارض المملكة المشروع النووي الإيراني، فلأنها تعرف أن هذا المشروع يمثل تهديدًا لها وللمنطقة العربية، وليس للكيان الصهيوني. ومما لا شك فيه أن لدى المملكة خيارات كثيرة لافشال المخططات الصهيونية ودعم صمود الشعب الفلسطيني، ليس أقلها الطلب من الحكومة المصرية فتح المعابر مع قطاع غزة بصورة دائمة. وحكومة تل أبيب تعرف أن المملكة هي اللاعب الأقوى في المنطقة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله الذي أدهش العالم بطريقته في حل الصراعات. وعليها أن تتوقع المفاجآت، فالليل العربي لن يدوم طويلاً..