أكد وزير المالية والاقتصاد والصناعة الفرنسي «تيري بروتون»، الذي غادر العاصمة الجزائر أول أمس الاثنين، أنّ حكومة بلاده تستعجل التوقيع على معاهدة الصداقة مع الجزائر «في أقرب وقت ممكن»، وأنها تنظر إلى هذه الاتفاقية ك «أولوية في مسار التقارب بين البلدين». وسلّم «تيري بروتون» الذي حل بالجزائر في زيارة استغرقت يومين، رسالة إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من نظيره الفرنسي جاك شيراك، وصفت ب «الشخصية»، وهي رسالة نشرت مقتطفات منها وكالة الأنباء الحكومية، فيها نقرأ تجديد الرئيس الفرنسي إرادة بلاده في إبرام معاهدة صداقة، وقال زعيم الإليزيه إن المودّة التي تربط الجزائربفرنسا «غالية عليه كثيرا»، مبديا تمسّك باريس بتتويج مسار معاهدة الصداقة قبل نهاية العام الجاري، قبل أن يضيف مخاطبا بوتفليقة «يسعدني أن نلتقي قريبا إن كان ذلك يناسبكم»، دون تحديد لتاريخ اللقاء ولا مكان انعقاده. ويأتي التحفز الفرنسي لتعزيز التقارب مع الجزائر، بعد أن تأجلت زيارة الرئيس الفرنسي «جاك شيراك» إلى الجزائر، المقررة منتصف الشهر الجاري، وتجنّب الخارجية الفرنسية، إصدار أي تعليق على خلفية إرجاء الزيارة، التي كان ينظر إليها مراقبون على أنّها تعني تقديم شيراك لاعتذار رسمي للجزائريين عن فظائع الاحتلال الفرنسي، على غرار مجازر 8 مايو/ أيار 1945، وتمجيد الجمعية الوطنية الفرنسية للماضي الاستعماري الفرنسي بعد مصادقتها على قانون 23 فيفيري الذي اتفقت الأسرة الثورية في الجزائر على وصفه ب «قانون العار». وتتزامن زيارة الوزير الفرنسي للمالية والاقتصاد مع تصاعد الأصوات المنددة بإقدام الجزائر على توقيع معاهدة الصداقة مع باريس في وقت لم ينته الجانبان من تسوية كل الملفات العالقة بالأخص ما تعلق بالماضي الاستعماري. ويتساءل المحللون عن مدى قدرة الطرفين على تجاوز تراكمات الماضي، سيما بعد العواصف التي أورثتها سجالات الذاكرة مؤخرا، وتجمع هذه التحاليل أن الوضع الحالي للعلاقات بين البلدين لا يساعد على تحقيق أي تقدم في بلورة ميثاق الصداقة الذي يعتبر أبرز أولويات العلاقة بين الجزائر وباريس. وكان الرئيس الجزائري شديد اللهجة تجاه باريس بعد مصادقة البرلمان الفرنسي على قانون 23 فيفيري، ولم يخل تجمع من تجمعات بوتفليقة التي نشطها في عشر ولايات جزائرية لحشد التأييد الشعبي لصالح الميثاق من أجل السلم والمصالحة الذي زكاه الجزائريون في استفتاء ال 29 سبتمبر/ أيلول بنسبة 97٪، من رسائل التنديد والاستنكار تجاه التعنت الفرنسي في تهوين جرائمها الاستعمارية في الجزائر وإدارة ظهرها لدعوات تنقية «الذاكرة» وتفضيلها ترك المسألة ل «عمل المؤرخين». وكان بوتفليقة - ولا يزال - صريحا عندما أكد أن الجزائر لا يمكنها أن تندرج في مسار صداقة مع باريس إذا لم تكلف ( هذه الأخيرة ) نفسها عناء الاعتذار. عمل وتنسيق الجزائر مع فرنسا لإقامة معاهدة سلام دائم، على حد قوله، لا تعني بأي معيار من المعايير أن تضرب فرنسا عرض الحائط بموجبات المثل القائل «ما لله لله وما لقيصر لقيصر».وكانت مجموعة من الشخصيات السياسية والتاريخية الجزائرية الكبيرة، انتقدت مؤخرا، في بيان تسلمت «الرياض» نسخة منه، الأسلوب الذي يتم به التحضير لمعاهدة الصداقة بين الجزائروفرنسا، وقال البيان إنّ الرئيسين عبد العزيز بوتفليقة وجاك شيراك «لم يوفرا الشروط المبدئية والموضوعية لبناء مسار تقاربي بين البلدين، على نحو يكفل له النجاح والاستمرارية، ويسمح بالارتقاء لاحقا من معاهدة صداقة بين الدولتين إلى ميثاق مودّة بين الشعبين. وأنّ الجسور بين العاصمتين «لن تمدّ بالقفز على ذاكرة الشعب الجزائري وحقوقه التاريخية المشروعة».