ليس هنالك أصعب من الفقد ومر الرحيل ومن قساوة الخبر والفاجعة خصوصاً إذا كان قريباً أو صديقاً صدوقاً وصاحباً ورفيق الدرب والعشرة والذكرى العطرة، ولكن هكذا هي سنة الله في خلقه، لا شفاعة في الموت ولا مفر منه، وكلنا راحلون فهادم اللذات لا يعرف مريضاً أو سليماً، فهنيئاً لمن اعتبر واتعظ وصبر واحتسب، وهنيئاً لمن لاقى ربه وقد صلح عمله وهنيئاً لمن رحل عن الدنيا وترك سيرة طيبة مع الجميع ومن الجميع كل من يسمع او يسرد اسمه يردفها بكلمة (الله يذكره بالخير) فيحظى بالحسنيين خير الدنيا والآخرة ويدرك أن الموت راحة للأتقياء، وموعد في حقهم للقاء. لقد تألمت كثيراً عند معرفتي هذا الأسبوع بخبر وفاة صديقي النبيل "صالح الحسينان" رحمه الله الذي امتدت علاقتي به منذ الصغر لمست خلالها عن قرب الكثير من السجايا الفاضلة من طيب وتسامح ونبل ووفاء ودماثة خلق والذي آلمني أكثر أنني لم أتمكن من زيارته خلال الأيام الماضية نظراً لتلقيه العلاج خارج الوطن وقد حرصت كغيري من محبيه على التواصل مع شقيقه الفاضل الإنسان عبدالعزيز الحسينان وكانت حبات الفرح تدق مرة وتهرب مرات كنت حقاً تواقاً بأن أسمع صوته الشجي وكلماته المليئة بالروح المعنوية العالية و"قفشاته" التي لا تخلو من المرح والدعابة لدرجة أنه يشعرنا كل مرة عند زيارته أو السؤال عليه وكأنه هو من يخفف علينا حزننا بمرضه وبالرغم من الأوجاع وحالة الأسى التي انهكت جسمه وبالرغم من إصابته بداء السكر منذ وقت طويل في وقت كنا نجهل هذا الداء تماماً، إلا أن قوة إيمانه بقضاء الله وقدره جعلته يستمد من ضعفه قوة.. قوة قلب يشع بالأمل والتفاؤل منبعها الحمد والشكر ليل نهار، والتوكل على ما قسمه له الله. كنت انتظر عودته الى أرض الوطن سالماً وأبارك له تماثله بالشفاء ولكنها إرادة الله ولا راد لقضائه وقدره. لقد حان أجله ويومه، وحزني لفقده كبير ولكن بكل تأكيد لن يغيب سيظل حاضراً بكل مآثره التي من الصعب ان تنسى. "صالح".. لا يمكن أن يتعبك بغموضه بل العكس تماماً نقاء وصفاء وبساطة وكل ما في قلبه ينطق به لسانه بشفافية ووضوح وبكل عفوية وصالح.. لا يمكن يسيء لأحد ولا يحمل في قلبه على أحد ويبادر الناس بالمصافحة والبشاشة. سبحان الله رجل انهكه التعب والمرض طوال حياته ولكن دائماً نجده إنساناً مختلفاً، محباً لكل الناس، الابتسامة العريضة لا تفارقه.. لم أره مرة حزيناً، كان يوزع السعادة على الجميع ابو يزيد مازلت اتذكرك واتذكر أنك تقدمت قبل سنوات عدة لوالدي رحمه الله بشكوى بقولك: ابو ابراهيم اشتكي عليك ابنك احمد انه صديقي وغالٍ عليّ ولكنه انشغل علينا مع الصحافة ولم نعد نره الا قليلا..! والآن يا سيد الأوفياء وأنبل الأصدقاء لم يعد بإمكاني رؤيتك لا كثيراً ولا قليلاً لذلك شكواي أتقدم بها بعد رحيل والدي ورحيلك إلى الله راجياً منه جميل الصبر والسلوان.. "صالح" إن القلم يرتجف والعين تدمع ألماً وحزناً وأجد غصة في قلبي كلما هممت أن اكتب كلمات لرثائك لقد رحلت ورحل معك ذلك الوجه المشرق المتلألئ بنور الإيمان وطاعة الرحمن.. لقد رحلت عن الدار الفانية فذرفت الدموع وتوجّع الأهل والأحباب وكل من عرفك وتعامل معك وقابلك لأن "الحبابة" كانت علامة بارزة في سيرتك الطيبة ومع الجميع الصغير والكبير، والتعامل الإنساني من سماتك الرائعة لذلك فقد كانت مساحة احترام الآخرين لك كبيرة وكانت مساحة حبهم في قلبك أكثر وأكبر ولقد كنت محباً للجميع ومحبوباً من الجميع وبلا شك محبة الناس قبس من محبة الله وفضله، ومن أحبه الله ابتلاه فهنيئاً لك، فقد كنت صابراً محتسباً رغم ما تقاسيه من آلام مبرحة، وكنت راضياً بقضاء الله وقدره. ما رحلت من هذه الدنيا بل سكنت أعماق قلوبنا مثلاً وقدوة طيبة وذكرى جميلة وستبقى كذلك إلى الأبد بإذن الله. أيها الصديق الصالح.. صالح.. لم أستغرب الحشود التي أتت من كل حدب وصوب معزية في فقدك وكل ألسنتهم تلهج بالدعاء لك بالرحمة والمغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار. أسأل الله جل في علاه أن يسبغ عليك من واسع رحمته ويسكنك فسيح جناته وأن يلهم أسرتك ومحبيك جميل الصبر ويمنحهم جزيل الأجر وأن يجمعنا بك في جنات النعيم على سرر متقابلين.