يكثر خلال الصيف اهتمام الناس بالألعاب المائية وزيارة المسابح والمناطق الساحلية وأماكن تجمع المياه وتكثر مع الأسف حالات الغرق وبالذات عند الأطفال. ويعتبر الغرق ثاني سبب للوفيات الناتجة عن الحوادث بعد حوادث السيارات في أكثر دول العالم، ونعلم كذلك أن حالات الغرق لدى الأطفال في السعودية تزداد بنسبة كبيرة جدا في الصيف، والسبب الأول للغرق هو ضعف المراقبة من الوالدين وعدم وجود حراس الإنقاذ في أماكن السباحة العامة، ومن الضروري هنا تذكير القراء بأن غرق الأطفال لا يحدث فقط في المسابح أو البحر ولكن هناك، فالماء المرتفع لعدة سنتيمترات قد يسبب الغرق لطفل رضيع مثلا لو وقع على وجهه ولم يستطع الاستدارة. كما أن هناك خطأ كبيرا يقع فيه الوالدان وهو ترك الأطفال في المسبح بدون رقابة مباشرة من شخص بالغ، اعتقادا منهم أن إجادة الأطفال للسباحة تنفي أهمية مراقبتهم، وهذا خطأ قد تكون عواقبه وخيمة حيث يجب عدم ترك الأطفال دون رقابة شخص بالغ يجيد السباحة حتى ولو كان الأطفال يجيدون السباحة لأن الأطفال قد يقومون بحركات خطرة في المسبح كما أنهم قد لا يجيدون التصرف في الحالات الإسعافية. يجب عدم ترك الأطفال بدون رقابة مباشرة.. حتى وإن كانوا يجيدون السباحة الدراسات المتعلقة بالغرق عند الأطفال في المملكة: في دراسة قام بها باحثون من جامعة الملك خالد على حالات الغرق عند الأطفال في منطقة عسير ونشرت في مجلة طب الأسرة والمجتمع عام 2011 أظهرت أن 44.4% من حالات غرق الأطفال حدثت في المنزل، وأن 55.6% من حالات الغرق المنزلي عند الأطفال حدثت في حوض الاستحمام (البانيو)، وأن 53.4% من حالات الغرق حدثت في المسابح المنزلية، ووصلت نسبة الوفيات في حالات الغرق إلى 36.8%. وفي دراسة أخرى على الغرق عند الأطفال قام بها باحثون من جامعة الملك سعود ونشرت في حوليات الطب السعودي عام 2001، أظهرت النتائج وفاة 39.3% من الأطفال التي تعرضوا للغرق. كما أظهر البحث أن جميع أفراد العوائل الذين لديهم حمامات سباحة منزلية لم يكن لديهم أي تدريب على الإنعاش القلبي الأولي، كما بيَّنَ البحث أن 95% من المسابح المنزلية لم يكن بها المواصفات المتوافقة مع أنظمة السلامة العالمية لحمامات السباحة؛ وهذا يقودنا إلى أهمية أن تفعل الجهات التوعوية والرقابية دورها في التأكيد على وجود أنظمة السلامة بحمامات السباحة المنزلية. * ماذا يحدث خلال الغرق وما هي التغيرات الفيزيولوجية التي تحدث عند الغريق؟ التغيرات الفيزيولوجية التي تحدث في الجسم تختلف نسبيا عند الغرق في ماء عذب مقارنة بالغرق في ماء مالح وهذه النقطة قد تهم الأطباء والمختصين أكثر من العامة لذلك لن نفصل فيها كثيرا، وفي الحالتين فإن الغريق عندما يكون تحت الماء يحاول حفظ الهواء داخل رئتيه ومنع وصول الماء لذلك يتوقف عن التنفس تماما ويقاوم الدماغ رغبة الجسم في التنفس، كما أن المتعرض للغرق يصاب بحالة من الهلع والخوف مما يسبب الكثير من الحركات السريعة، وهذا بدوره يزيد من استهلاك الجسم للأكسجين وبسبب توقف الغريق عن التنفس يزداد ثاني أكسيد الكربون في الدم وينقص الأكسجين وعندما يصل ضغط ثاني أكسيد الكربون في الدم 55 حوالي (الطبيعي 40) لا يستطيع الدماغ منع الجسم من التنفس وحينها يبدأ التنفس مما ينتج عنه وصول الماء إلى البلعوم وجهاز التنفس العلوي مما يسبب تشنجا وانغلاق البلعوم لحماية الرئتين من وصول الماء وحينها قد يبلع الغريق كميات من الماء تصل إلى المعدة، ويستمر انغلاق البلعوم بصورة مستمرة لمنع وصول الماء إلى الرئتين عند 10-15% من الغرقى ويعرف هذا بالغرق الجاف وتكون نسبة النجاة عند هؤلاء أعلى، أما عند البقية فإنه وبمجرد وصول الغريق إلى حالة الغيبوبة بسبب نقص الأكسجين الواصل إلى الدماغ فإن البلعوم ينفتح ويدخل الماء الرئتين ويعرف هذا بالغرق الرطب، وتفيد هذه المعلومة أخصائي الطب الشرعي في التحقيقات الجنائية حيث إن وجود ماء في رئة الغريق يدل على أنه كان حيا وقت وجوده في الماء أما غياب الماء من الرئتين فقد يكون له سببان أحدهما الغرق الجاف الذي تحدثنا عنه، أما السبب الثاني فهو وضع الجسم في الماء بعد الوفاة، ويغيب الغريق عن الوعي عند وصول ضغط الأكسجين في الدم 25-30 (الطبيعي فوق الثمانين)، وفي العادة يصل الغريق غرقا كاملا إلى حالة الغيبوبة في وقت قصير قد لا يتجاوز الدقيقة، كما أن الغريق في العادة لا يستطيع طلب النجدة لأن التكلم يتطلب سحب الهواء إلى الرئتين وهو أمر لا يستطيعه الغريق كما أنه لا يستطيع التلويح بيديه ولكن ما يراه المراقبون هو حركات لا إرادية يقوم بها الغريق لإخراج وجهه وفمه من تحت الماء، استمرار نقص الأكسجين يؤدي خلال دقائق (2-10 دقائق) إلى توقف كامل للقلب وهذا بدوره يسبب انقطاع وصول الأكسجين إلى الدماغ مما يعرض الدماغ للوفاة والتي تحدث في العادة بعد ست دقائق من توقف القلب، وقد اشتهرت حادثة طفل أمريكي في العاشرة من عمره غرق في مسبح منزلهم في كارولينا الجنوبية في يونيو 2008 وتناولت وسائل الإعلام قصته كحادثة غريبة أطلق عليها الغرق الجاف، والقصة أن الطفل غرق ولكن والدته تمكنت من إنقاذه وبدا بعدها واعيا وبحالة جيدة ولكنه كان يشعر بالإرهاق فذهب للنوم، وحين قامت والدته بتفقده بعد فترة، وجدته ميتا وبعض الماء والرغوة تخرج من فمه، وهذا الوصف لا ينطبق على الغرق الجاف، ولكن يبدو أن غرق الطفل في البداية نتج عنه تغيرات في خلايا الرئة وخلايا الحويصلات الهوائية والأوعية الدموية بسبب نقص الأكسجين الحاد نتج عنها خروج السوائل من الأوعية الدموية إلى الرئتين واستمرت هذه العملية بعد الخروج من المسبح مما نتج عنه استمرار نقص الأكسجين والوفاة. الدرس المستفاد من الحادثة أنه في حال إخراج الغريق من المسبح يجب الحصول على استشارة طبية حتى ولو ظهر للمنقذ أن الغريق في حالة صحية جيدة. * ما هي طرق الإسعاف؟ ويبدأ إسعاف الغريق بانتشاله من الماء، ولإخراج الغريق من الماء طرق معينة تدرس لحراس الإنقاذ لضمان سلامة المنقذ وليس هذا مجال شرحها، وبعد إيصال الغريق إلى اليابسة تبدأ الإسعافات الأولية. إذا كان المريض واعيا، يتم التواصل معه وتهدئته ويتم استدعاء الخدمة الطبية الإسعافية بسرعة لتقيم حالة الغريق والحاجة إلى نقله إلى المستشفى، أما إذا كان الغريق غائبا عن الوعي ولا يتنفس فلا بد من بدء الإنعاش القلبي التنفسي من قبل شخص لديه تدريب في الإنعاش القلبي الأولي حسب ما توصي به الجمعية الأمريكية والجمعية السعودية للقلب، ويتم الإنعاش بنفس الطريقة التي تجرى في حالات توقف القلب الأخرى، وفي هذا السياق أود أن أشير إلى بعض المفاهيم الخاطئة عند بعض القراء، فالبعض يعتقد أن نكس الغريق وبالذات الأطفال على رؤوسهم يؤدي إلى سرعة خروج الماء من الرئتين ومن ثم إنقاذهم وشفائهم، وهذا اعتقاد خاطئ تماما لأنه لا يحل المشكلة الأساسية وهي توقف التنفس والقلب ويؤدي إلى تأخير بدء الإسعافات الأولية ومن ثم يزيد من احتمال موت خلايا الدماغ، كما أن محاولة شفط الماء من المعدة لا يفيد في العادة، وقد يتسبب في استفراغ الغريق واستنشاق محتوى المعدة إلى الرئتين وهذا يزيد التهاب الرئة ويسبب نقص الأكسجين. الانشغال عن الأطفال لدقائق قد يسبب كارثة الإنعاش القلبي الرئوي في موقع الغرق.. أحد أسباب النجاة بمشيئة الله من المهم توفير متطلبات السلامة في المسابح المنزلية لابد من وضع سياج حول المسبح حالات كثيرة من الغرق حدثت في حوض الاستحمام المنزلي الخاصة بالأطفال