يكثر خلال الصيف اهتمام الناس بالألعاب المائية وزيارة المسابح والمناطق الساحلية وتكثر مع الأسف حالات الغرق وبالذات عند الأطفال. ويعتبر الغرق ثاني سبب للوفيات الناتجة عن الحوادث بعد حوادث السيارات في أكثر دول العالم. ولا أعلم عن الإحصاءات في المملكة ولكن من تجربة أعلم أن حالات الغرق لدى الأطفال في السعودية تزداد بنسبة كبيرة جدا في الصيف. والسبب الأول للغرق هو ضعف المراقبة من الوالدين وعدم وجود حراس الإنقاذ في أماكن السباحة العامة. ومن الضروري هنا تذكير القراء بأن غرق الأطفال لا يحدث فقط في المسابح أو البحر ولكن هناك حالات كثيرة من الغرق حدثت في حوض الاستحمام المنزلي أو أحواض الاستحمام الصغيرة الخاصة بالأطفال، فالماء المرتفع لعدة سنتيمترات قد يسبب الغرق لطفل رضيع مثلا لو وقع على وجهه ولم يستطع الاستدارة. في هذا المقال أود التركيز على الناحية الطبية في موضوع الغرق والتغيرات التي تحدث في الجسم وطرق العلاج الأولية لإسعاف المصاب. التغيرات الفيزيولوجية التي تحدث في الجسم تختلف نسبيا عند الغرق في ماء عذب مقارنة بالغرق في ماء مالح وهذا النقطة قد تهم الأطباء والمختصين أكثر من العامة لذلك لن نفصل فيها كثيرا. وفي كلتي الحالتين فإن الغريق عندما يكون تحت الماء يحاول حفظ الهواء داخل رئتيه ومنع وصول الماء لذلك يتوقف عن التنفس تماما ويقاوم رغبة الجسم في التنفس كما أن المتعرض للغرق يصاب بحالة من الهلع والخوف مما يسبب الكثير من الحركات السريعة وهذا بدوره يزيد من استهلاك الجسم للأكسجين وبسبب توقف الغريق عن التنفس يزداد ثاني أكسيد الكربون في الدم وينقص الأكسجين وعندما يصل ضغط ثاني أكسيد الكربون في الدم حوالي 55(الطبيعي 40) لا يستطيع الغريق منع نفسه من التنفس وحينها يبدأ التنفس مما ينتج عنه وصول الماء إلى البلعوم وجهاز التنفس العلوي مما يسبب تشنج وانغلاق البلعوم لحماية الرئتين من وصول الماء وحينها قد يبلع الغريق كميات من الماء تصل إلى المعدة. ويستمر انغلاق البلعوم بصورة مستمرة لمنع وصول الماء إلى الرئتين عند 10-15% من الغرقى ويعرف هذا بالغرق الجاف وتكون نسبة النجاة عند هؤلاء أعلى، أما عند البقية فإنه وبمجرد وصول الغريق إلى حالة الغيبوبة بسبب نقص الأكسجين الواصل إلى المخ فإن البلعوم ينفتح ويدخل الماء الرئتين ويعرف هذا بالغرق الرطب. وتفيد هذه المعلومة أخصائي الطب الشرعي في التحقيقات الجنائية حيث أن وجود ماء في رئة الغريق يدل على أنه كان حيا وقت وجوده في الماء أما غياب الماء من الرئتين فقد يكون له سببان أحدهما الغرق الجاف الذي تحدثنا عنه أما السبب الثاني فهو وضع الجسم في الماء بعد الوفاة. ويغيب الغريق عن الوعي عند وصول ضغط الأكسجين في الدم 25- 30(الطبيعي فوق الثمانين). وفي العادة يصل الغريق غرقا كاملا إلى حالة الغيبوبة في وقت قصير قد لا يتجاوز الدقيقتين. كما أن الغريق في العادة لا يستطيع طلب النجدة لأن التكلم يتطلب سحب الهواء إلى الرئتين وهو أمر لا يستطيعه الغريق كما أنه لا يستطيع التلويح بيديه ولكن ما يراه المراقبون هو حركات لا إرادية يقوم بها الغريق لإخراج وجهه وفمه من تحت الماء. استمرار نقص الأكسجين يؤدي خلال دقائق (2-10دقائق) إلى توقف كامل للقلب وهذا بدوره يسبب انقطاع وصول الأكسجين إلى المخ مما يعرض المخ للوفاة والتي تحدث في العادة بعد ست دقائق من توقف القلب. إسعاف الغريق ويبدأ إسعاف الغريق بانتشاله من الماء ولإخراج الغريق من الماء طرق معينة تدرّس لحراس الإنقاذ لضمان سلامة المنقذ وليس هذا مجال شرحها. وبعد إيصال الغريق إلى اليابسة تبدأ الإسعافات الأولية. إذا كان المريض واعيا، يتم التواصل معه وتهدئته ويتم استدعاء الخدمة الطبية الإسعافية بسرعة لتقيم حالة الغريق والحاجة على نقله إلى المستشفى. أما إذا كان الغريق غائبا عن الوعي ولا يتنفس فلا بد من بدء الإنعاش القلبي التنفسي من قبل شخص لديه تدريب في الإنعاش القلبي الأولي حسب ما توصي به الجمعية الأمريكية والجمعية السعودية للقلب. ويتم الإنعاش بنفس الطريقة التي تجرى في حالات توقف القلب الأخرى. وفي هذا السياق أود أن أشير إلى بعض المفاهيم الخاطئة عند بعض القراء. فالبعض يعتقد أن نكس الغريق وبالذات الأطفال على رؤوسهم يؤدي إلى سرعة خروج الماء من الرئتين ومن ثم إنقاذهم وشفائهم. وهذا اعتقاد خاطئ تماما لأنه لا يحل المشكلة الأساسية وهي توقف التنفس والقلب ويؤدي الى تأخير بدء الإسعافات الأولية ومن ثم يزيد من احتمال موت خلايا الدماغ. كما أن محاولة شفط الماء من المعدة لا يفيد في العادة وقد يتسبب في استفراغ الغريق واستنشاق محتوى المعدة إلى الرئتين وهذا يزيد التهاب الرئة ويسبب نقص الأكسجين. أسأل الله أن يحفظكم.