في الآونة الأخيرة تعالت أصوات كثيرة من فئات المجتمع من مختصين وغيرهم بالمجال الصحي، حول الأدوية التي تسمى (Generic Drugs) أو البديل التجاري أو الأدوية(الجنيسة)، وذلك عن مدى فاعليتها وسلبياتها على المدى البعيد خاصة للمصابين بالأمراض المزمنة كارتفاع ضغط الدم والكوليسترول وجلطات القلب وسيولة الدم وغيرها من الأمراض، وكذلك الأدوية التي يمكن أن يؤثر زيادة مستواها في الدم بشكل سيئ على المريض بسبب ان المستوى المقبول للعلاج في الدم ضيق جدا(Narrow Therapeutc Index). دليلهم الذي يستدلون به على آرائهم لا يتعدى التجارب الفردية لهم أو تجارب اخرى يتناقلونها عن غيرهم، لذا كان لزاما أن تضع على عاتقها المنابر الإعلامية المتخصصة في الرعاية الصحية وكذلك مقدمو الخدمة الصحية توعية المستهلك بهذا النوع الجديد من التوجه في الطرق العلاجية، وفي الغالب من وجهة نظر علمية متخصصة أنه لا يوجد فرق بين الدواء الأصلي والبديل التجاري، وتكمن المشكلة في الفهم الخاطئ عند الحكم على الدواء الاصلي والتجاري، حيث لا يمكننا أن نعمم الحكم القطعي على أن جميع الأدوية البديلة وبدون استثناء الموجودة في الأسواق سواء محلياً أو عالمياً انها لا تتميز دائما بالجودة العالية أو الفاعلية أو عدم المطابقة للمواصفات والمقاييس العالمية للدواء الأصلي، وأيضا في الجانب الآخر لا يمكن إطلاق الحكم ذاته أن الدواء الأصلي هو قطعا الأفضل في كافة المواصفات، حيث يلزم التروي بالحكم وإطلاقةه في كلا الجانبين سواء الدواء الأصلي أو التجاري، لأن هذا يعد إجحافا غير مبرر لجهود مؤسسات وجهات حكومية مسؤولة ومصانع وجهود علمية داخل وخارج البلاد وأفراد وجماعات تقدم جهودا دؤوبة وحثيثة، لتوفير الدواء المناسب بالسعر المناسب في الوقت المناسب للمرضى. جدير ذكره أن الدواء البديل يتفق مع الدواء الأصلي في المادة الفعالة، الجرعة، وطريقة التناول ويختلف في اللون والشكل والاسم لأنها تظل محمية من قبل الشركة الأصلية التي تنفرد في ملكيتها. وعلينا أن ندرك ان صناعة الأدوية البديلة ليست وليدة الساعة بل كانت منتشرة منذ سنوات بعيدة ، وحققت انتشارا واسعا في دول كثيرة في العالم من قبل شركات تحظي بسمعة عالمية دولية، تحت رقابة ذات نوعية عالية، حيث يمر تصنيع أي دواء بمراحل متتالية فمنذ أن تكتشف الشركة التركيبة الدواء الكيميائية تعطى حقوق التصنيع لفترة زمنية معينة تقارب العشرين عاماً، ينقضي منها في أغلب الأحيان مايقارب 10سنوات في الأبحاث والدراسات الطبية على الحيوانات ثم البشر، وبعد ذلك تأتي مرحلة التسويق ثم ما تبقى يكون مرحلة بيع الدواء وتغطية التكاليف وجني الأرباح ولذلك تكون كلفة الدواء الأصلي عالية لتفتح المنافسة بعد تلك الفترة لجميع الشركات ومن ضمنها الشركة الاصلية لإنتاج البديل ويكون بطبيعة الحال أقل سعرا وذلك لانخفاض تكلفة الإنتاج. وهناك مفهوم شائع وخاطئ ليس لدينا فقط وإنما في جميع دول العالم أن المرتفع سعره دائما ذو جودة عالية، وان غلاء السعر دلالة على جودة النوعية، فهذا مفهوم خاطئ لان الدواء قيمته في خصائصه الكيميائية وفاعليته وليس في سعره، لذلك غالبا ما توقف الشركة المنتجة للدواء الأصلي إنتاجه في ظل وجود بدائل تجارية رخيصة وفعالة أو تدخل ببديل تجاري لمنتجها الأصلي. كما أود أن اؤكد أن الجهات الحكومية بذلت ولازالت تبذل وعلى رأسها هيئة الغذاء والدواء السعودية جهودا مشكورة في مراقبة الجودة النوعية للأدوية البديلة بوسائل مختلفة ومتعددة، ولكن هذا لا يعتبر كافياً للتحكم ومراقبة كمية الاستهلاك العالي للأدوية البديلة خاصة في القطاعات الصحية التي لا تخضع للمراقبة في مختبرات هيئة الغذاء والدواء السعودية بشكل مباشر، حيث تقوم وزارة الصحة بمراقبة الجودة النوعية للأدوية المستلمة من خلال المختبر المركزي التابع لهيئة الغذاء والدواء السعودية، لذلك من الضرورة القصوى للقطاعات الحكومية خاصة المقدمة للرعاية الصحية والتي تستقبل شريحة كبيرة من المرضى، أن تقوم بتجهيز قسم لمراقبة الجودة النوعية للمستحضرات الصيدلانية للتأكد من جودة الأدوية ولضمان فعالية وكفاءة الأدوية المقدمة الى المرضى والتي يترتب عليها الحفاظ على صحة وأرواح المرضى بالدرجة الأولى وتوفير مبالغ ضخمة من خلال تقديم العلاج البديل الفعال بأقل الأسعار وبالتالي توفير الصرف على الدواء، حيث تستثمر هذه العوائد في مواصلة التطوير والرقي بمستوى الخدمات الصحية. لذا فإن رفض الدواء البديل أو قبوله لا يجب أن يخضع لتجارب فردية من قبل العامة، بل القول الحكم فيه لأهل الاختصاص والدراية كالطبيب المختص أو الصيدلي. * باحث طبي مشارك في مجال التكافؤ الحيوي والجودة النوعية للأدوية بمركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية بالحرس الوطني