وُصف برنامج الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله للابتعاث الخارجي بأنَّه الأوسع والأشمل في تاريخ المملكة، واستهدف - كما ورد في حيثيات إقراره قبل أكثر من عشر سنوات - تطوير قطاع التعليم العالي في المملكة وتعزيز بنيته العلمية والمعرفية لجهة بناء الكوادر السعودية وتأهيلها وفق أفضل المعايير الأكاديمية والمهنية، لسد احتياجات سوق العمل خاصَّة الجامعات السعودية التي تزداد عدداً وتشهد توسعاً رأسياً وأفقياً مُطِّرداً وكذلك لسد احتياجات الوزارات والمؤسسات الوطنية في القطاع العام والمدن الصناعية ومؤسسات القطاع الخاص في مختلف مناطق ومحافظات المملكة. بعد أكثر من عشر سنوات من انطلاق برنامج الابتعاث، لا بأس على وزارة التعليم من مراجعة مُخرجاته وتقويمها وتحسينها وتطويرها ومعالجة عثراته التنظيمية والفنية لجهة تحقيق أفضل النتائج منه بما يخدم بصورةٍ أكبر احتياجات التنمية وسوق العمل في المملكة. فهذه المراجعة حق أصيل للجهة المسؤولة والمشرفة على البرنامج لا يمكن إنكاره أو المُزايدة عليه، ولكنْ ينبغي على هذه المراجعة أن تكون متأنية مستوفية لوقتها اللازم في الدراسة والتمحيص حتى تستوعب وتُغطي كل الجوانب المُحيطة ببرنامج الابتعاث ولا تُحمّل المُبتعثين والمُبتعثات وزر وتبعة قراراتٍ ضبابية لا تخدم مسيرتهم العلمية والمعرفية ولا تخدم كذلك عملية تطويره "لضمان الاستفادة القصوى منه بما ينسجم مع أهدافه".. كما قال وزير التعليم. من القرارات أو الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الوزارة قرار اشتراط ترقية البعثة بموافقة وزارة التعليم مباشرة وسحب هذه الصلاحية من الملحقات التعليمية للمملكة في الخارج، فمن اتخذ هذا القرار تجاهل انعكاساته السلبية على العديد من المُبتعثين من نواحٍ عديدة إجرائية واقتصادية ونفسية وحتى عائلية ويُعد عودة غير مُظفرة ل "المركزية" في إدارة مهام الوزارة، وكان من الأولى أن يظل موضوع "ترقية البعثة" ضمن صلاحيات الملحقات التعليمية تبسيطاً للإجراءات وتسهيلاً على طلاّبنا في بلاد الغُربة من تبعات المركزية والبيروقراطية في إنجاز شؤونهم واحتياجاتهم التي ربما تُصيب أحلامهم وطموحاتهم في مقتل، فالملحقيات التعليمية هي الأقرب والأكثر إلماماً بأحوالهم ومتابعة دراستهم والأكثر تفهماً لطلبات ترقية البعثة وفق المعايير المُلزمة والشروط المُقررة والتي تتحقق من خلالها كل العناصر المُستهدفة أساساً من برنامج الابتعاث. لذا قد يكون من الأفضل والأنسب إعادة النظر في هذا القرار فمن المؤكد أنَّ الوزارة يهمها في المقام الأول توفير أفضل الخدمات المُمكنة لأكثر من "150" ألف مُبتعثٍ ومُبتعثة في أكثر من "25" دولة من دول العالم أبرزها الولاياتالمتحدة الأميركية واليابان والصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا ودول أوروبا الغربية وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وهذا القرار بطبيعة الحال لا يخدم العديد منهم بل قد يُثبط من عزيمتهم في الدراسة والتحصيل العلمي وهو من أدبيات حقوقهم على وطنهم. من جهةٍ أخرى نأمل أن تتعاطى الوزارة مع ملف "ضم الدارسين على نفقتهم الخاصة لبرنامج الابتعاث" بمرونة أكثر خاصَّة حيال التَّخُصصات التي يحتاجها سوق العمل ولم يتشبع منها بعد. مسك الختام: التحدي الكبير الذي يواجه هذا البرنامج التنموي يكمن في استيعاب آلاف المبتعثين في المؤسسات والقطاعات الوطنية على اختلافها وتنوعها وفي مجالات عملٍ مناسبة. فهذا هو الإنجاز الحقيقي للوطن وفرصته التاريخية لتعزيز بيئة وطنية معرفية خلاَّقة وتنافسية تواكب التطورات العالمية في عصر الثورة المعلوماتية واقتصاديات المعرفة. شَذْرَةٌ: إنَّ العالمَ يفسحُ الطريقَ للمرء الذي يعرفُ إلى أين هو ذاهب.