تمثل عودة البعثات الدراسية خطوة إستراتيجية تنموية تستثمر في رأس المال البشري من أجل مستقبل أفضل في كافة المجالات. لم يكن قرار إطلاق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي لمجرد حل مشكلة الجامعات الداخلية في عدم القدرة على الاستيعاب، ولكنه قرار نوعي يتيح للطلاب فرص الدراسة في جامعات ومجتمعات مختلفة في ثقافتها وأساليبها. وزارة التعليم العالي وهي الجهة المسؤولة عن هذا البرنامج، والجهة المنظمة له من كافة جوانبه الإدارية، والأكاديمية، والمالية، قامت ولا تزال بجهود منظمة ومكثفة لتحويل الخطط إلى برنامج عمل وما يشتمل عليه ذلك من آليات، وإجراء، ونماذج، ووضع أطر تنظيمية تتضمن الضوابط والمعايير المنظمة لبرنامج الابتعاث. وفي إطار جهود الوزارة التطويرية نظمت في العام الماضي الملتقى الأول للملحقين الثقافيين برعاية معالي وزير التعليم العالي د. خالد العنقري، وذلك من أجل تطوير آلية العمل في الملحقيات ودعمها لمواجهة الزيادة الكبيرة في أعداد المبتعثين. كلمة معالي الوزير في افتتاح ذلك اللقاء تضمنت بعض النقاط التي تستحق التوقف وإلقاء الضوء عليها لأهميتها، وفيها: - أهمية تطوير مستوى الأداء لتقديم أفضل الخدمات الأكاديمية والاجتماعية للطلبة السعوديين الدارسين في الخارج وتشجيع المتميزين منهم. - تكثيف الإشراف الدراسي والاجتماعي على الطلبة والطالبات ليكونوا خير سفراء لوطنهم. - دعم علاقات التعاون مع المؤسسات التعليمية في الدولة مقر الملحقية ودعوة مسؤوليها لزيارة المملكة للاطلاع على النهضة التعليمية التي تشهدها المملكة وتبادل الخبرات مع نظرائهم في الجامعات السعودية. - استخدام قنوات الاتصال الحديثة لسرعة إنهاء إجراءات الطلبة. - دراسة لائحة الابتعاث لتواكب المستجدات الحالية. - تفعيل النشاط الثقافي و مشاركة الطلبة فيه. وهكذا نرى من خلال تلك النقاط أن أمام المسؤولين في جهاز الوزارة وأمام الملحقين الثقافيين مسؤوليات كبيرة، وتحديات جديدة، ولكي يكون المبتعث خير سفير لوطنه فإنّ هذا يعني أهمية معايير القبول والاختيار، وأهمية الإشراف والمتابعة، وكذلك أهمية التهيئة التي تسبق البعثة لما لها من آثار ايجابية، وهذا ما دفع بالوزارة إلى تنظيم ملتقى المبتعثين الذي حضره في يومه الأول أكثر من(500) مبتعث ومبتعثه، وفي هذا الملتقى وجد المبتعثون إجابات عن أسئلتهم حول بلد الابتعاث، وأنظمته، وكيفية الالتحاق بالجامعات، كما تميز هذا الملتقى باستضافته ممثلين عن سفارات بلد الابتعاث فحضر القنصل الاسترالي، وممثل عن سفارة اليابان وسفير كوريا في السعودية، إلى جانب عدد من المحاضرين في الموضوعات الأكاديمية والاجتماعية التي تهم المبتعثين. ومن المسؤوليات القديمة المتجددة والتي تم الإشارة إليها في ملتقى الملحقين الثقافيين دعم علاقات التعاون مع المؤسسات التعليمية في الدولة مقر الملحقية ودعوة مسؤوليها لزيارة المملكة. وإذا كان هذا التعاون موجودا من قبل فإنه الآن يحتاج إلى تفعيل. والأمر الآخر الذي يحتاج إلى تفعيل هو النشاط الثقافي ومشاركة الطلبة فيه، فالطالب لن يكون مقيدا بجدوله الدراسي بل سيكون عضوا فاعلا في المجتمع، وقد يؤخذ هذا العنصر في الاعتبار في تشجيع المتميزين. إن المؤمل والمتوقع بعد عقد ملتقى الملحقين الثقافيين وما طرح فيه من أفكار، هو تحقيق نقلة نوعية في أداء الملحقيات ليس في تقديم أفضل الخدمات الأكاديمية والاجتماعية فقط، بل في بناء علاقات علمية واتفاقيات إستراتيجية مع الجامعات والمعاهد المتخصصة تخدم الطلبة المبتعثين في مسيرتهم الدراسية وفي نفس الوقت يمكن استثمار مثل هذه الاتفاقيات لتعزيز مسيرة الطلاب العلمية المستقبلية من خلال التدريب العملي سواء أثناء الدراسة أو بعد التخرج. أمام وزارة التعليم العالي مساحة واسعة للإبداع والتميز بدأت فيهما، وسوف تستمر، ولابد أن يشمل ذلك قضية مهمة أشار إليها معالي الوزير وهي دراسة لائحة الابتعاث لتواكب المستجدات الحالية، ولأن اللائحة هي التي تمثل ( النظام) فإنّ تطوير (التنظيم) يرتبط بشكل مباشر بتطوير النظام.