تناقشت مع عدد من الأتراك حول عاصفة الحزم. ما لفت انتباهي هو تأييد واسع للعاصفة. وقال محدثي إن إسطنبول بلد يتنفس الهواء العربي. وهو قال إن على تركيا أن تنضم للتحالف في وجه الغطرسة الفارسية في الأسبوع الماضي أمضيت في إسطنبول - العاصمة الفكرية والاقتصادية - لتركيا أربعة أيام حاولت خلالها أن أستطلع بعض المسائل السياسية والفكرية وما يتعلق بهما. ولقد حاولت جهدي أن أطلّع على الصحافة التركية المنشورة بالإنجليزية، وتابعت المحطة التركية العربية، وقابلت فئات من الشعب خصوصاً المثقفين منهم. من خلال هذا الجهد المقل دونت في مفكرتي هذه الهوامش، التي أنشرها لاستمطار تعليقات ومداخلات القراء في هذا الوقت المهم: 1- تناقشت مع عدد من الأتراك حول عاصفة الحزم. ما لفت انتباهي هو تأييد واسع للعاصفة. وقال محدثي إن إسطنبول بلد يتنفس الهواء العربي. وهو قال إن على تركيا أن تنضم للتحالف في وجه الغطرسة الفارسية. لكنني بالمقابل لم أقرأ في الصحافة التركية ما يتناغم مع هذا الصوت الإسطنبولي الواضح. 2- رأيت أن كثيرًا من الأتراك يتناقشون بشيء من الحدة حول دستور بلادهم الحالي. وهذا الدستور يعود إلى النسخة المعدّلة التي أُقرت عام 1982م. ولا غرو أن هذه النسخة النافذة قد فتحت الباب أمام التعددية الحزبية، وأطلقت حرية التعبير. نقاشُ من استمعت إليهم يدور حول التعديلات التي أدخلتها الحكومة الحالية، وما تزمع أن تدخله بعد الانتخابات المقبلة، خصوصاً تحويل تركيا إلى نظام رئاسي يتمتع فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة. 3- يحكم حزب العدالة والتنمية AKP منذ عام 2002م. وهو حزب منشق من حزب الفضيلة الإسلامي الذي تم حله بقرار صدر من المحكمة الدستورية في يوم 22 /يونيو/ 2001م. والمؤسسون يمثلون جناحًا معتدلاً. وحرص الحزب في بداياته الابتعاد عن الشعارات الدينية في الخطابات السياسية. ويؤكد الحزب عدم معارضته للعلمانية التي قامت عليها الجمهورية التركية. وقال لي بعض من التقيتهم إن الحكومة تسعى لتغيير بعض بنود الدستور بتدرج ممنهج. وأكدوا أنها لن تستطيع أن تمس المادة الأولى في الدستور الذي ينص على علمانية الدولة التركية. وزاد أحدهم اننا لا نعارض حزب العدالة والتنمية إلاّ إذا مُست أسس الجمهورية العلمانية، التي هي حصانة ضد تغول الفرد. 4- لاحظت أن الثقافة التركية مشتتة. ولم أقرأ خلال إقامتي ما يشير إلى علاقة الحكومة الحالية بأي منحى أو توجه ثقافي. وفي هذا الصنيع خطورة على النجاح الاقتصادي الكبير الذي تعيشه تركيا. لابد للدولة من تكوين مفاهيم ثقافية جماعية أو ما يُعرف في المصطلح الأجنبي ب conceptual deals package الصورة الثقافية التركية باهتة، ومشتتة بين إسلامية وشرقية أو ليبرالية أوروبية. ووصف أحدهم أن تركيا لا زالت حائرة بين العمامة والبرنيطة. كل التيارات السياسية والاقتصادية في العالم لابد لها من محرك. وتظل الثقافة وأصحاب الفكر هما المحرك. وبالتالي أميل إلى أن الأمة التركية الحالية تفتقد المحرك الثقافي اللازم لمواكبة النجاحات الاقتصادية والسياسية لحزب العدالة والتنمية. 5- للرئيس طيب أردوغان شعبية بلغت ذروتها إثر عودته من منتدى دافوس الاقتصادي عام 2009م بعد انسحابه من جلسة جمعته بشيمون بيريز. وقد استقبلته الجماهير في المطار رافعة لافتات ما كان يحب أن يراها حتى لا تستغل من قبل معارضيه. واللافتات مكتوب عليها صدر بيت شعري كان أردوغان يردده وهو: المآذن رماحنا والمصلون جنودنا. 6- قرأت في صحيفة تركية ملخصاً لرأي تركيا في الأزمة السورية، وهو ملخص يتصادم مع المعروف إعلاميًا عن مساندة تركيا للثورة السورية. ملخص الرأي يقول إن تركيا لا تؤيد تغييراً يؤدي إلى انهيار الدولة السورية. استقرار سورية مسألة حساسة بالنسبة للأمن القومي التركي، وذلك راجع إلى حدود بين البلدين التي تبلغ 800 كلم، ووجود قرابة مليونين من الأكراد السوريين على الحدود. 7- زرت مجمعًا تجارياً مشهورًا، وصدفة تحدثت مع تاجر عاش في أميركا سنوات، وهو الآن يصدر للبلاد العربية بضائع كثيرة. وحدثني بمرارة عن انتهاء اتفاقية الخط الملاحي التركي المصري المعروف باتفاقية الرورو. وبموجب هذه الاتفاقية، التي وقعتها حكومة أردوغان مع حكومة محمد مرسي، تتمتع تركيا بحق استخدام الأراضي المصرية لنقل بضائعها من مينائي بورسعيد ودمياط، ومن ثم نقلها براً إلى ميناء الأدبية جنوبالسويس. ثم شحنها بحرًا إلى دول الخليج. وبهذا تتجنب عبور قناة السويس. وهذه الاتفاقية المشينة أضاعت على الخزينة المصرية آلاف الدولارات من رسوم عبور البواخر التركية قناة السويس. 8- علاقة تركيا بالعالم العربي المعاصر لا يمكن فهمها بدرجة مقبولة. يقول محدثي إن الحكومة التركية مشدودة للعالم العربي بعوامل تاريخية واقتصادية، ولكنه شدّ لا يقوم على العقلانية بقدر ما يقوم على العواطف والأحلام، وهو يقول إن تركيا تفضل العلاقة مع أوروبا. وهو يقول إن كثيرًا من الإنتلجنسيا التركية لا تفهم سبب عداوة أردوغان المستمرة للحكومة المصرية الحالية، في الوقت الذي يشهد الميزان التجاري بين البلدين تطورًا ملموسًا.