العلم أمانة عظيمة، ومسؤولية جليلة كريمة، تُبلغ بها رسالة الله تعالى، وتُقام بها الحجة على عباده، فقد امتن الله سبحانه وتعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بالعلم، وشرفه، وكرمه به. فالعلم بصيرةٌ؛ لأن العالم يُبصر به الحقَ فيتبعه، ويُبصر به الباطل فيجتنبه، والعلم بينةٌ تتجلى بها الحقائق، وشَرَّف الله بالعلم من شاء من عباده، وشهد لمن حباه إياه بالخير الكثير، والعلم كالغيث للقلوب يحيي اللهُ به الأفئدةَ بعد موتها، عَظَّمَ اللهُ أهلهَ، وجعلهم عنده في أعلى الدرجات، وأوجب لهم جزيل العطايا، والهبات. إن العلمَ بلا ريب ذو شأنٍ عظيم في حياة الأفراد، والمجتمعات، فهو ظاهرُ النفع، مَنْ تحلى بلباسِه فقدْ ساد، ومَنْ بالغَ في ضبطِ معالمِه فقد شاد. ومن معلومات الشرع، والواقع، أن الوحي الكريم إنما أنزل لإصلاح هذا الإنسان، وبنائه؛ بما يحقق مصالحه الدينية، والدنيوية، ومن أولى مقومات الإصلاح بناؤه العلمي، وهذا المنطلق هو الأساس الذي انطلقت منه حكومة المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في دعمها اللامحدود لجميع القطاعات العلمية عموماً، والتعليم العالي خصوصاً. وفي خضم الزخم العلمي المبارك تنطلق الدراسات المستقبلية حول القضايا الإسلامية المعاصرة؛ لتقدم تصور علمي عن القضايا المعايشة الملحة في المجتمع السعودي خاصة، والمجتمعات الإسلامية بصفة عامة، وتحاول الانطلاق من الواقع؛ لاستثمار الإمكانات المتاحة، والإفادة من التجارب، وفق رؤى علمية متقنة؛ لمواجهة التحديات المتوقعة، والسعي إلى الإصلاح، والبناء؛ لبلوغ التطلعات المنشودة، والوصول إلى المستقبل الأفضل. وسوف تكون الدراسات الإسلامية المستقبلية للقضايا المعاصرة -بإذن الله تعالى- رائدة في هذا المجال، وتكون أكثر فعالية إذا كان لديها دليلُ عمل مُلزِم، مُشتق من رؤية ورسالة واضحة المعالم، يتعامل مع الأسباب الحقيقية، ويعمل على وضع الحلول الجذرية للقضايا التي تعانيها المجتمعات المعاصرة، وييسر فرص تطبيقها، وآليات مراجعتها، وتطويرها. وهي تعنى بمفهوم النجاح الذي يتحقق بالفهم المشترك للمستجدات، وحسن توظيف المتاح من الطاقات، والإمكانات؛ واستمرارية العمل على تطبيق الأفكار غير التقليدية في أجواء علمية تتصف بالثقة، والأمان. ولا ريب أن الباحث في الدراسات الإسلامية المعاصرة يثق تماماً بأهمية العلم في إيجاد الحلول للمشكلات التي تواجه الإنسان المعاصر، وأن طريقة مواجهة هذه المشكلات تعتمد على البحث العلمي، فالبحث العلمي يساعدنا على اكتشاف المشكلات، وتنظيم الأولويات، وإيجاد الحلول المناسبة لها. وتحتاج المؤسسات - على اختلاف مجالاتها - إلى التأمل الدائم لأحوالها، والمراجعة الشاملة لأدوارها، والعمل الدءوب لتحسين إداراتها، والسعي المتواصل للوصول بها إلى أعلى مستويات الجودة. والمؤسسات التعليمية - وخاصة الجامعية منها - أكثر حاجة إلى كل ما سبق؛ ضماناً لتحقيق أعلى المستويات لخريجيها، وهو ما ينعكس إيجاباً على المؤسسات الأخرى غير التعليمية، التي تستقبل هؤلاء الخريجين. إن الساعات تمضي كلمحةِ عينٍ، ويأمل من خلال الدراسات المستقبلية للدراسات الإسلامية المعاصرة أن يبقى العطاءُ الخالد يملأ الأرضَ ببسمةِ الأمل، وشعاعِ الخير يمتد على مساحاتٍ عظيمةٍ من العطاء.