كما أشرتُ في مقالي الأخير فإنَّ الحزم والعزم هو عنوان وأيقونة الحُقبة السلمانية في تعاطيها مع الشأنين: الداخلي والخارجي، وهذا هو مصدر اعتزازنا وفخرنا بهذه الحُقبة المباركة التي جاءت في الزمان والمكان والتاريخ الأكثر احتياجاً لعنفوان مبادراتها وبرامجها. بما يخص الشأن الداخلي قلتُ في حينه أنَّ على كل وزيرٍ ومسؤولٍ غير قادرٍ على التفاعل مع زخم الحُقبة السلمانية المبادرة فوراً لتقديم الاستقالة قبل الإقالة، ومن ثمَّ فلا غرابة في قرار إعفاء أو إقالة وزير الصحة السابق فهو إجراءٌ يتماهى مع حزم هذه الحُقبة وعنوانها. على كل حالٍ وزارة الصحة مُثقلة بالمشكلات المُزمنة المُتراكمة خلال الزمن وهي من أكثر الوزارات التي تعاقب عليها وزراء خلال فتراتٍ زمنيةٍ مُتقاربة، ولكن دون أن يترتب على ذلك نتائج إيجابية ملموسة على أدائها بل إنَّ الأمور تعقدت أكثر والمشكلات تشعبت والمعاناة زادت ماثلة خاصَّة في استمرار النقص الكبير نسبياً في عدد وأسرّة المُستشفيات العامة والمُتخصصة والمراكز الصحية فضلاً عن ترديّ خدمات العديد من المُنشآت القائمة أصلاً. وتبدو المُعاناة أكثر حضوراً وأشدَّ مرارةً في المُدن والمحافظات الأقل نمواً وتنمية، بلغت في أشُدها درجة استجداء التداوي والعلاج من هذا المسؤول أو ذاك. يتفق الكثير من النُّقاد ومتابعي الشأن العام بأنَّ الخلل يكمن أساساً في المنظومة الإدارية للوزارة والتي فشلت ولعقودٍ من الزمن في استثمار مليارات الريالات -التي تضخها الدولة سنوياً لخزينة وزارة الصحة– لجهة بناء منظومة رعاية صحية مُتكاملة تغطي احتياجات سكان المملكة، وهذا الفشل النسبي في ماضيه وحاضره مبعثه عقم الفكر الإداري الذي تُدار به الوزارة وتُدار به برامجها ومشاريعها، وقد تعاقب عليها وزيرٌ تلو وزير وظلَّ هذا الفكر جامداً مُتحجراً استقطب معه قيادات بيروقراطية أو أوتوقراطية ليس من اهتماماتها ولا من أولوياتها متابعة هموم وآلام الناس الصحية. المسألة إذن تتطلب بالضرورة –إذا أردنا معالجة جذرية لأصل الداء– وجود إرادة قوية وحاسمة لإعادة بناء الوزارة وفق فكرٍ جديد يواكب تقنية العصر بكل أدواته ومُستجداته، وهذا في تقديري لن يتحقق بالدرجة المطلوبة والواعية إلا عبر تحويل وزارة الصحة من وزارة مُنتجة للخدمة إلى مُنظمٍ لها ومراقبٍ لأدائها والعمل وفق ذلك على تنظيم إدارة وأعمال المُستشفيات الحكومية كما في الخاصة وفق معايير مهنية وتجارية مُنضبطة وهذا التَّحول بالقطع مرتبطُ بتشريع وتقنين "التأمين الطبي". بالتأكيد عملية التَّحول هذه ليست سهلة أو مُيسرة بل هي مُعقدة فحجم ومساحة التغيير كبيرةٌ جداً، ولكنْ هذا خيار الضرورة وأمامنا العديد من التجارب العالمية الناجحة يمكن الاستفادة من مُخرجاتها وبرامجها، وأمامنا كذلك بيوت الخبرة العالمية المهم ألا تعوقنا في ذلك الأفكار البالية والآراء المُترددة والمصالح المُتضاربة ومن سار على الدرب وصل. مسك الختام: أوجاع وزارة الصحة المتراكمة والمُتشابكة وأوجاع الناس معها لا يمكن معالجتها بمسكناتٍ أو مُهدئاتٍ لا تستأصل مصدر الداء، فالأمر يحتاج إلى أعمالٍ وجهودٍ جبارة مُخلصة للمعالجة الجذرية وصولاً إلى رعايةٍ صحيةٍ مُتكاملة يستظل بها المريض والمُحتاج للتداوي والعلاج على امتداد مناطق ومدن ومحافظات المملكة، وسوف ننجح بإذن الله إن تَحزْمنا الإرادة والعزيمة والتخطيط السليم. شَذْرَةٌ: يمكنك إنجاز بعض المهام بمجرد تغيير طريقة تفكيرك في إنجازها.