إظهار النعم والتحدث بها من صفات المؤمنين الشاكرين، أما من يكتمها، أو يظهر أنه فاقد لها إما بلسان الحال أو المقال، فهو كفر لها، وهو من صفات الكافرين الجاحدين. وإنما سمي الكافر كافراً، لأنه يغطي نعمة الله التي أسبغها عليه ويجحدها ولا يقر بها. وقد وصفهم الله بذلك في كتابه، فقال: "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون".. بل ربما نسبوا نعم الله تعالى التي أعطاهم إياها إلى أنفسهم وعلمهم وخبرتهم، قال تعالى: "فإذا مسّ الإنسان ضر دعانا ثم إذا خوّلناه نعمةً منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون". ومما لا شك فيه أن الكفر بنعم الله تعالى مؤذن بزوالها عمّن كفر بها، قال تعالى: "وضرب الله مثلًا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون".. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من زوال النعمة في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوّل عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك". وشكر النعم ليس باللسان فقط؛ إنما الشكر يجب أن يكون بتسخير النعمة في منفعة الغير وتقديم يد العون لهم، فشكر نعمة المال تكون بإنفاقه على المحتاجين، وشكر نعمة العلم بتعليم الجاهل، وشكر نعمة الصحة بالتعاون مع العجزة ومساعدتهم على إنجاز أعمالهم، وشكر نعمة الإسلام بنشره ودعوة الناس إليه بالحكمة والموعظة الحسنة. وهكذا يكون شكر النعم بتسخيرها للمنفعة العامة وعدم إخفائها أو الاستئثار بها.. قال تعالى: "وأما بنعمة ربك فحدث".. فشكر النعمة يعد سياجاً لها يحميها من الزوال ويرويها لتنمو وترتقي بصاحبها إلى أعلى عليين. إن من أسباب الغفلة عن النعم أن الكثير من الناس يحصرون نظرتهم إلى نعم الله عليهم بدخلهم الشهري أو السنوي، أو ما شابه ذلك، وينسون باقي النعم من السمع والبصر والكلام والمشي والصحة في الأبدان والأمن في الأوطان وغيرها كثير والتي لا يعادلها ملايين الملايين من المال. وما من عبد إلا ويرى في غيره عيوباً يكرهها، وأخلاقاً يذمها، ويرى نفسه بريئاً منها، فينبغي أن يشكر الله، حيث أحسن خلقه وابتلى غيره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى رجلاً به بلاء، فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً، إلا كان شكر تلك النعم". وقد أمرنا الله بشكر من أجرى سبحانه النعمة على يده قال تعالى: "أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير"، فأمره بشكره ثم بشكر الوالدين، إذ كانا سبب وجوده في الدنيا، وسهرا وتعبا في تربيته وتغذيته، فمن عقّهما أو أساء إليهما، فلم يشكرهما، بل جحد أفضالهما عليه، فإنه لم يشكر الله الذي أجرى النعم على أيديهما، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس". وعلاج القلوب الغافلة عن شكر نعم الله تعالى أن ينظر المرء إلى من دونه، فيشاهد المرضى ويرى أنواع البلاء عليهم، ثم يتأمل صحته وسلامته، فيشكر الله، ويشاهد الحروب وعدم الأمان في بعض الشعوب، فيشكر الله على سلامته من تلك الحروب وعلى الأمن والأمان الذي يعيشه.. وأن يعرف أن النعمة إذا لم تُشكر زالت. ختاماً؛ يجب أن نعلم أن الله تعالى لا يزيد ملكه بشكر الناس له ونسبتهم الفضل إليه، كما أنه لا يتضرر بكفرهم، لأنه الغني الحميد، ولكنه تبارك وتعالى يحب أن يحمد ويشكر، ويكره أن يكفر به وبنعمته، قال تعالى: "إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم". فاللهم لك الحمد ولك الشكر على كل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث، أو سرّ أو علانية، أو خاصة أو عامة، أو حيّ أو ميت، أو شاهد أو غائب، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرّضا.