لا أعتقد أن ماحدث في تونس وتداعياته، وما حدث في لبنان من انقلاب سيغير وجه لبنان العروبي إذا مانجحت السيناريوهات، سيصرف شرائح المجتمع السعودي ، وأطيافه من الحديث في السقوط المذل والمهين للمنتخب السعودي لكرة القدم في نهائيات كأس آسيا، ولا أتصور أن الإنسان السعودي على تراب الوطن سيقتنع بتبرير أو تسويغ يمكن أن يمارسه أحد من المسؤولين عن المنتخب إن في الرئاسة العامة لرعاية الشباب ، وإن في الاتحاد السعودي لكرة القدم ، فالأسباب مقروءة ، والمسار الذي كان متخذاً لابد وأن يفضي إلى هذه النتيجة المؤلمة ، والقاسية، والموجعة، والاستكبار الذي مورس نهجاً ، وصمّ الأذنين عن الآراء والأفكار والانتقادات التي تطرح ، وشخصنة القرار نتيجته الحتمية والمنطقية هو هذا الوجه الكئيب، والصورة المخجلة التي ظهرنا بها في الدوحة أمام منتخبات لا نقلل مطلقاً من قدراتها، ولكنها بالتأكيد لايتوفر لها من الإمكانات ماتوفر للمسؤولين عن المنتخب السعودي ، واللاعب السعودي ، الأمر الذي يجعل الغصة قاتلة . يقول الحكيم العظيم كونفوشيوس " ... إن الذي لايقول رأيه بوضوح وصراحة وشجاعة في أمر يخص الوطن ، ومستقبلات الوطن ، فجريمته تفوق الخيانة العظمى " ومن هنا فما حدث للمنتخب في الدوحة هو أمر يتعدى لعبة كرة القدم ، ويتجاوز في معانيه، وارتداداته مسألة بطولة قارية ، أو تجمع منتخبات تتنافس على لقب ، ولكنه يدخل في تصنيف المنجز الوطني ، ومدى تقدم الوعي المعرفي والحضاري للشعب ، والمسافات التي اختصرها الوطن في سباق التحديث ، والتطوير ، والتنمية على كل الصعد والمجالات . وأهم من هذا كله تأصيل ثقافة الانتماء ، والمواطنة ، والإخلاص لهذا التراب ، والجغرافيا ، والتاريخ الذي تكوّن عبر نضالات رجال أفذاذ ، وهمم تعلو بطموحاتها فوق المستحيلات، وإيمان رجل يقف على قمة التاريخ العربي المعاصر كشهاب من شهبه المضيئة هو صانع هذا الكيان ، والكيان إرثه لهذه الأجيال. إذن: أحسب أن من أقل واجباتنا أن نقول الرأي صريحاً وواضحاً ، وبصوت مرتفع في ما حدث، فالمداورة ، والالتباس ، والمجاملة ، والتبرير ، أو السكوت عن الذي حدث يعتبر خيانة لأمانة القلم ، وتغييباً للمسؤولية التي يجب أن يمارسها كل مواطن ، وإقصاء لفعل المشاركة في أمر يهم الوطن ، والإرث ، وبالتالي ينتج عن ذلك غياب المساءلة ، والمحاسبة للمسؤول ، وطرح الأسئلة الصادمة التي جوابها أن الوظيفة تكليف وطني ، وليست امتيازاً وتشريفاً . إن الذي حدث في الدوحة من انهيار كامل لمسيرتنا الرياضية ، والبؤس الذي ظهر به اللاعبون كأشباه لاعبين ، جعل الإنسان السعودي يعيش حالة وجع حقيقي من خلال العبث بمكتسبات الوطن وإرثه التنموي ، والاستشرافي ، وما نطمح له وإليه من إنجازات في المحافل الدولية وليس الإقليمية والقارية، فصار السكوت أشبه مايكون بالتواطؤ مع سلوك عبثي . والتورط في تمرير عمل غابت عنه الرؤية ، والتخطيط ، والمنهجية ، وصناعة الأهداف ، وصياغة الغايات . لعلي أجد رغبة قوية في استنهاض الزملاء من الكتاب، والمحللين، والخبراء في الشأن الرياضي ليحاصروا الخلل بكل شجاعة ، ويفضحوا الالتباسات، ف " أهل مكة أدرى بشعابها " وهم بالتأكيد أجدر كثيرا منا .